وواعد مبارك الناس الرواح إلى القتال، فلمّا غفلوا عنه ركب رواحله وانطلق، وراح الناس فلم يجدوه، فقاتلوا شيئا من قتال إلى المغرب ثم تفرّقوا، وقيل إن مباركا أرسل إلى الحسين يقول له: والله لئن أسقط من السماء فيتخطفنى الطير أيسر علىّ من أن تشوكك شوكة، أو تقطع من رأسك شعرة، ولكن لا بدّ من الإعذار، فبيّتنى فإنى منهزم عنك، فوجّه إليه حسين أو خرج إليه في نفر، فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبّروا، فانهزم هو وأصحابه، وأقام الحسين وأصحابه أياما يتجهّزون، فكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يوما، ثم خرجوا لست بقين من ذى القعدة، فلما خرجوا عاد الناس إلى المسجد، فوجدوا فيه الطعام الذى كانوا يأكلون وآثارهم، فدعوا عليهم.
ولما فارق الحسين المدينة قال: يا أهل المدينة، لا خلف الله عليكم بخير، فقالوا: بل أنت، لا خلف الله عليك بخير، ولا ردّك إلينا، وكان أصحابه يحدثون في المسجد، فغسله أهل المدينة. قال: ولما أتى الحسين مكة فنودى: أيما عبد أتانا فهو حرّ، فأتاه العبيد، فانتهى الخبر إلى الهادى؛ وكان قد حجّ تلك السنة رجال من أهل بيته، منهم سليمان بن المنصور، ومحمد بن سليمان بن على، والعباس ابن محمد بن على، وموسى وإسماعيل ابنا عيسى بن موسى، فكتب الهادى إلى محمد بن سليمان بتوليته على الحرب، وكان قد سار من البصرة بجماعة وسلاح لخوف الطريق، فاجتمعوا بذى طوى، وكانوا قد أحرموا بعمرة، فلما قدموا مكة طافوا وسعوا وحلّوا من العمرة، وعسكروا بذى طوى وانضمّ إليهم من حجّ من شيعتهم ومواليهم وقوّادهم، والتقوا واقتتلوا يوم التروية، فانهزم أصحاب الحسين،