وقال إبّقراط: إنّ تغير حالات الهواء هو الذى يغير حالات الناس مرة إلى الغضب، ومرة إلى السكون، وإلى الهمّ والسرور، وغير ذلك. وإذا استوت حالات الهواء، استوت حالات الناس وأخلاقهم.
وقال: إن قوى النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأمزجة الأبدان تابعة لتصرف الهواء، إذا برد مرة، وسخن مرة، خرج مرة الزرع نضيجا، ومرة غير نضيج، ومرة قليلا، ومرة كثيرا، ومرة حارّا، ومرة باردا، فتتغير لذلك صورهم ومزاجاتهم. وإذا استوى واعتدل الهواء، خرج الزرع معتدلا، فاعتدلت بذلك الصور والمزاجات.
قال: والعلة فى تشابه التّرك، هو أنه لما استوى هواء بلادهم فى البرد استوت صورهم وتشابهوا.
وقال: إنّ الرياح تقلب الحيوان حالا إلى حال، وتصرفه من حرّ إلى برد، ومن يبس إلى رطوبة، ومن سرور إلى حزن؛ وإنها تغير ما فى البيوت من أصناف المآكل كالتمر، والعسل، والسمن، والشراب، فتسخنها مرة، وتبردها أخرى، وتصلّبها مرة، وتيبّسها مرة. وعلة ذلك أنّ الشمس والكواكب تغير الهواء بحركاتها؛ وإذا تغير الهواء، تغير بتغيره كل شىء.
وقال: إنّ الجنوب إذا هبت، أذابت الهواء وبرّدته، وسخنت البحار والأنهار.
فكل شىء فى رطوبة تغير لونه وحالاته. وهى ترخى الأبدان والعصب، وتورث الكسل، وتحدث ثقلا فى الأسماع، وغشاوة فى الأبصار. وأما الشّمال فإنها تصلب الأبدان، وتصحح الأدمغة، وتحسن اللون، وتصفى الحواس، وتقوّى الشهوة والحركة، غير أنها تهيج السعال، ووجع الصدر.