للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاتفق معهم على أجرة معلومة، فكان يحفظ لهم ويصلى أكثر نهاره، ويصوم ويأخذ عند إفطاره من البقّال رطل تمر، يفطر عليه ويجمع نواه ويعطيه للبقّال، فلما حمل التجار تمرهم جلسوا عند البقّال وحاسبوه وأعطوه أجرته، وحاسب هو البقّال على ما أخذ من التمر وحطّ ثمن النوى فضربوه، وقالوا ألم يكفك أن تأكل تمرنا حتى تبيع نواه؟! فأوقفهم البقّال على الخبر فاعتذروا واستحلوا منه، وازداد بذلك عند أهل القرية، ودعا أهل تلك الناحية إلى مذهبه فأجابوه، وكان يأخذ من الرجل إذا أجابه دينارا واحدا، ويزعم أنّه للإمام، واتخذ منهم إثنى عشر نقيبا أمرهم أن يدعو الناس إلى مذهبه وقال: أنتم «١» كحوارى عيسى بن مريم، فاشتعل أهل تلك الناحية عن أعمالهم، وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فرأى تقصير الأكّارة في عمارتها، فسأل عن ذلك فقيل له خبر الرجل فحبسه، وحلف ليقتلنّه لما اطّلع على مذهبه، وأغلق عليه الباب ليقتله في غد، وجعل المفتاح تحت رأسه، فسمع بعض جواريه خبره فرقّت له، فسرقت المفتاح وأخرجته وأعادت المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الهيصم فتح الباب ليقتله فلم يجده، فشاع ذلك في الناس فافتتنوا به وقالوا رفع، ثم ظهر في ناحية أخرى، ولقى جماعة من أصحابه فسألوه عن قصّته فقال: لا يمكن أن ينالنى أحد بسوء، فعظم في أعينهم ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشام، فلم يوقف له على خبر، هذا ما حكاه عز الدين بن الأثير الجزرى في تاريخه الكامل.