ذاكرا لله تعالى في طرفى النّهار وزلفا من الليل، الجوع والشّبع عنده سيّان، لا منافس فى الدنيا، ولا غافل عن الآخرة، يطيل السكوت، ويديم الفكر، ويكثر الاعتبار، ويقول الحق، ويلهج الصدق، ليس في قلبه غير ربه، ولا يهمه غير نفسه، فقال ابن عبّاس: ما ظنّك برجل سبقه عضو منه الى الجنّة؟ رحم الله زيدا! فأين كان عبد الله منه؟ فقال: كان عبد الله سيّدا شجاعا، شيخا مطاعا، خيره وساع، وشره دفاع. ليّن النحيزة، أحوذىّ الغريزة، لا ينهنه منهنه عمّا أراد، ولا يركب إلّا ما اعتاد، سمام العدى، فيّاض النّدى، صعب المقادة، جزل الرّفادة. أخو إخوان، وفتى فتيان، ثم أنشد شعر حسّان بن ثابت
اذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا يرى بينها فصلا
قضى فشفى ما في النّفوس فلم يدع ... لذى إربة في القوم جدّا ولا هزلا
ودخل ضرار بن ضمرة الكنانىّ على معاوية بن أبى سفيان فقال له: صف لى عليّا فقال له: أو تعفينى؟ فقال: لا أعفيك؟ قال: أما إذ لا بدّ، فإنّه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منا لا نكلّمه هيبة له، فان تبسّم فعن مثل لؤلؤ منظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوىّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.