للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جبّة صوف غليظة، وركبت جملا، وخرجت عليه لأمضى الى البادية، قال: فتبعنى أسود متقلد سيفا، حتى إذا غبت عن الحرس، قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض علىّ، فقلت: ما شأنك؟ فقال: أنت بغية أمير المؤمنين فقلت له: ومن أنا حتّى يطلبنى أمير المؤمنين؟ فقال معن بن زائدة فقلت: يا هذا! اتق الله وأين أنا من معن؟ فقال: دع هذا عنك، فأنا والله أعرف بك، فقلت له: فإن كانت القصة كما تقول، فهذا جوهر حملته معى، بأضعاف ما بذله المنصور، لمن جاءه بى فخذه ولا تسفك دمى، فقال: هاته، فأخرجته اليه، فنظر إليه ساعة، وقال: صدقت فى قيمته، لست قابله حتى أسألك عن شىء، فإن صدقتنى أطلقتك، فقلت: قل، فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرنى هل وهبت قطّ مالك كلّه! قلت:

لا، قال: فنصفه! قلت: لا، قال: فثلثه! قلت، لا حتى بلغ العشر فاستحييت وقلت: إنى أظن قد فعلت هذا، فقال: ما ذاك بعظيم، أنا والله راجل، ورزقى على أبى جعفر، عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته ألف دينار، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك، ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أن في الدنيا من هو أجود منك، ولا تعجبك نفسك، ولتحقّر بعد هذا كلّ شىء تفعله ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى بالعقد إلىّ، وخلّى خطام الجمل وانصرف، فقلت: يا هذا! قد والله فضحتنى، ولسفك دمى أهون علىّ مما فعلت، فخذ ما دفعته اليك، فإنى عنه في غنى، فضحك، ثم قال: أردت أن تكذّبنى في مقامى هذا، فو الله لا آخذه، ولا آخذ لمعروف ثمنا أبدا، ومضى، فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت، وبذلت لمن جاءنى به ماشاء، فما عرفت له خبرا، وكأنّ الأرض ابتلعته، وكان سبب غضب المنصور على معن ابن زائدة: أنه خرج مع عمرو بن يزيد بن عمرو بن هبيرة وأبلى في حربه بلاء حسنا.