ويقال: إن شاعرا أتى وهب بن وهب، وكان جوادا، فمدحه فهشّ وبش له وثنى له الوسادة وأضافه ورفده وحمله، فلما أراد الرّجل الرحلة، لم يخدمه أحد من غلمان وهب، فأنكر الرجل ذلك مع جميل فعله، فعاتب بعضهم، فقال له الغلام: إنّا إنّما نعين النازل على الإقامة ولا نعين الراحل على الفراق.
وكان الحارث بن هشام المخزومى في وقعة اليرموك، وبها أصيب فأثبتته الجراح، فاستسقى ماء، فأتى به، فلما تناوله، نظر الى عكرمة بن أبى جهل صريعا في مثل حاله، فردّ الإناء على الساقى، وقال: امض الى عكرمة بن أبى جهل، فمضى إليه، فأبى أن يشرب قبله، فرجع الى الحارث، فوجده ميتا، فرجع الى عكرمة، فوجده قد مات، فلم يشرب واحد منهما.
وقد وصف الناس أهل الجود والكرم بمدائح، سنذكر ما استجودناه منها.
فمن ذلك ما حكى عن أبى العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، قال: كان ببغداد فتى يجنّ ستة أشهر، فاستقبلته ببعض السكك ذات يوم، فقال: ثعلب؟
قلت: نعم، قال: فأنشدنى فأنشدته
وإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكلّ طرف سابح
وانضح جوانب قبره بدمائها ... فكذا يكون أخادم وذبائح
فضحك، ثم سكت ساعة، وقال: ألا قال؟
اذهبا بى إن لم يكن لكما عقر ... على ترب قبره فاعقرانى
وانضحا من دمى عليه فقد كا ... ن دمى من نداه لو تعلمان
ثم رآنى يوما بعد ذلك فتأمّلنى، وقال: ثعلب! قلت: نعم، قال: أنشدنى فأنشدته