فسايره الأمير همام الدين مودود، وقال له:«أترى هل نكون ههنا فى مثل هذا اليوم من العام المقبل؟» فقال له نور الدين: «لا تقل هكذا، قل هل نكون ههنا بعد شهر؟ فإن السنة بعيدة» ورجع إلى القلعة، وختن ابنه وأصابته العلة، فمات بعد عشرة أيام.
ومات الأمير همام الدين قبل استكمال الحول. ودفن نور الدين بقلعة دمشق، ثم نقل إلى مدرسته التى بناها بجوار سوق الخواصين بدمشق وقبره هناك مشهور.
وأما سيرته وأفعاله رحمه الله تعالى فانه أفرغ وسعه فى الجهاد، واستنقذ من أيدى الفرنج ما ذكرناه. وكان ثابتا فى حروبه، وبنى المدارس والمساجد والربط والبيمارستان والخانات والطرق والجسور، وجدد القنى وأصلحها، وأوقف الوقوف على معلمى الخط لتعليم الأيتام، وعلى سكان الحرمين الشريفين، وأقطع أمراء العرب الإقطاعات حتى كفوا عن التعرض إلى الحاج. وبنى أسوار المدن والحصون التى هدمتها الزلزلة التى ذكرناها فى أخبار الدولة العباسية.
وكان رحمه الله مواظبا على الصلاة فى الجماعة، حريصا على فعل الخير، عفيف البطن والفرج، مقتصدا فى الإنفاق والمطاعم والملابس، لم تسمع منه كلمة فحش فى رضاه ولا فى سخطه وعاقب على شرب الخمر قال الشيخ عز الدين أبو الحسن على بن عبد الكريم الجزرى المعروف بابن الأثير رحمه الله: «قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين