ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف منه» قال: وكان رحمه الله لا يفعل فعلا إلا بنية حسنة. كان بالجزيرة رجل من الصالحين العباد، وكان نور الدين يكاتبه ويراسله فيرجع إلى قوله، فبلغه أن نور الدين يدمن اللعب بالأكرة «١» فكتب إليه يقول: «ما كنت أظنك تلهو وتلعب وتعذب الخيل لغير فائدة» فكتب إليه نور الدين بخطه يقول: «والله ما يحملنى على اللعب بالكرة اللهو والبطر، إنما نحن فى ثغر، العدو قريب منا، وبينما نحن جلوس إذ يقع الصوت فنركب فى الطلب ولا يمكننا أيضا ملازمة الجهاد ليلا ونهارا شتاء وصيفا. إذ لا بد من الراحة للجند ومتى تركنا الخيل على مرابطها صارت حماما لا قدرة لها على إدمان السير فى الطلب، ولا معرفة لها بسرعة الانعطاف فى الكر والفر فى المعركة فنحن نركبها ونروضها بهذا اللعب، فيذهب حمامها، وتتعود سرعة الانعطاف والطاعة لراكبها فى الحرب. فهذا والله الذى بعثنى على اللعب بالكرة» .
قال: وحكى عنه أنه حمل إليه من مصر عمامة من القصب الرفيع مذهبة، فلم يحضرها عنده، فوصفت له، فلم يلتفت إليها؛ فبينما هم معه فى حديثها إذ جاءه رجل صوفى فأمر له بها. فقيل له إنها لا تصلح لهذا الرجل، ولو أعطى غيرها كان أنفع له. فقال:
«أعطوها له، فانى أرجو أن أعوض عنها فى الآخرة» فسلمت إليه.
قيل والذى أعطيها شيخ الصوفية عماد الدين بن حمويه، فبعثها إلى همذان، فبيعت بألف دينار.