فلما انتهى عبيد الله إلى مصر أراد أن يقصد اليمن، وكان بها أبو القاسم الحسن بن حوشب الكوفى الدّاعى كما ذكرنا، وقد استقام له الأمر وملك أكثر البلاد، ثم بعث بعده علىّ بن الفضل فاستحلّ المحارم ودعا النّاس إلى الإباحات، فلما اتّصل ذلك به كره دخول اليمن على هذه الحال، وبلغه ما فعل الشيعىّ بالمغرب، وما فتح على يديه فأقام بمصر مستترا فى زىّ التّجار، وعامل مصر يومئذ عيسى النوشرى بعد انقراض الدّولة الطّولونيّة؛ فأتته الكتب بصفته، وأمر بالقبض عليه.
وكان بعض خاصّة النّوشرى يتشيع، قيل إنّه ابن المدبّر، فبادر إلى عبيد الله وأخبره، وأشار عليه بالمسير؛ فخرج من مصر بمن صحبه. ففرّق النّوشرى الرّسل وذكر لهم صفته، ثم خرج بنفسه فأدركه وقد رحل من تروجة، وهى على مرحلة من الإسكندرية، فمشى النّوشرىّ فى القافلة التى عبيد الله فيها، وجعل ينظر إلى وجوه القوم، حتّى رأى عبيد الله على هيئته التى وصفت له، فقبض عليه وعلى من كان معه، وأطلق الرّفقة وعاد به إلى ببستان فنزل به، وأنزل عبيد الله ومن معه بمفردهم ووكل بهم. ثم خلا به وقال له أصدقنى عن أمرك فأنى ألطف فى خلاصك، فقد جاءت صفتك من قبل أمير المؤمنين وأمر بطلبك، وذكر أنّك تروم الخلافة. فقال عبيد الله «١» إنما أنا رجل تاجر، ولست أعلم شيئا ممّا نقول، وأنت غنىّ عن تقلّد إثمى.
فما زال يلاطفه يومه وليلته حتّى أطلقه وقال: امض إلى سبيلك وأنا أبعث معك خيلا تشيّعك. فشكره وقال: أنا أستغنى بنفسى وبمن معى، وانصرف. فرجع أصحاب النّوشرى عليه بالملامة، وقالوا له: ماذا صنعته