أخيه وأبو عبد الله ينكر ذلك على أخيه، وأبو العبّاس لا يرعوى، ويؤكّد أسباب النّفاق. ثم قال أبو العبّاس لأخيه: لقد ملكت أمرا عظيما وانطاع لك النّاس، فجئت بمن أزالك عنه وأخرجك منه، وكان الواجب عليه ألّا يهتضمك هذا الاهتضام. ولم يزل يغريه بمثل دلك إلى أن أثّر ذلك فيه، وحمله على مشافهة عبيد الله المهدىّ ببغضه، وأشار عليه بتفويض الأمور إليه والانقطاع فى قصره والاحتجاب عن الناس، وقال هذا أهيب لك وأشدّ لامرك. فردّ عليه فى ذلك ردّا لطيفا. وكان قد بلغ المهدىّ ما هو عليه، فحقّقه ولم يره أنّه اطّلع على شىء من ذلك. وعمد أبو العبّاس إلى الدّعاة، وكانوا يعظّمونه لما يرون من تعظيم أخيه أبى عبيد الله له، فجعل يرمز لهم، ثمّ صرّح، وطعن فى عبيد الله، وأدخل فيه الشّبهة. وكلّ ذلك يبلغ عبيد الله فيعرض عنه ويغضى عليه، هذا والشيعىّ فى ذلك مدار لم يبلغ حد النّفاق إلى أن فشا أنّ حال أبى العبّاس قد أنهيت إلى عبيد الله.
وما زال أبو العبّاس يتخيّل إلى أن قال للدّعاة إنّ الإمام هو الّذى ياتى بالآيات والمعجزات ويختم بخاتمه فى البلاط، فأمّا هذا فقد شككنا فيه.
فعند ذلك أرسل هارون بن يونس «١» أحد المشايخ إلى عبيد الله يقول: قد شككنا فى أمرك فأتنا بآية إن كنت المهدىّ كما قلت. فتعاظم ذلك وقال:
ويحكم إنكم كنتم قد أيقنتم والشكّ لا يزيل اليقين، فأبيتم إلّا الإصرار! ثمّ أمر من قتله. فلمّا علم أبو العبّاس والقوم الذين استزلّهم «٢» بقتله جعلوا ذلك سببا لمباينة عبيد الله وأجمعوا على النّقض والإبرام فى دار ابى زاكى ابن معارك، وعزموا على الفتك بعبيد الله. واجتمع كتامة إلّا قليلا منهم؛