وكان عزوية «١» بن يوسف يأتى بأخبارهم لعبيد الله، فجمع عبيد الله إليه من سلم من النّفاق والعبيد واستعدّ لهم، على كثرتهم وقلّة المبايعين له. فجمعوا له الجموع وأحاطوا بقصره ليوقعوا به، وهو فى ذلك جالس منتصب غير مكترث؛ فقذف الله فى قلوبهم الرّعب على كثرتهم وقلّة من معه، حتّى كانوا يعبرون وقد عزموا على الفتك به، فإذا قابلوه ملأت الهيبة قلوبهم فإذا انصرفوا ندموا على تركه لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا
«٢» .
فنظر عبيد الله فى بعض الأيّام إلى أبى عبيد الله الشيعىّ وقد لبس توبه مقلوبا، ودخل عليه ثلاثة أيّام وهو على تلك الحال، فقال له فى اليوم الثّالث: يا أبا عبد الله؛ ما هذا الأمر الّذى شغلك وأذهلك عن أمر نفسك؟
فقال: وما هو يا مولاى؟ قال: إنّ ثوبك مقلوب عليك منذ ثلاثة أيّام ما اهتديت له، وما أحسبك نزعته. فنظر إليه وقال: والله يا مولاى ما علمت به. فقال: إنّ هذا لشغل عظيم؛ فأين تبيت منذ كذا من اللّيالى؟
فسكت. فقال: ألست تبيت فى دار أبى زاكى قال له: بلى. قال:
وما أخرجك من دارك التى أنزلتك بها؟ قال: يا مولاى خفت. قال:
وما يخاف المرء إلّا من عدوّه، والمؤمن لا يخاف وليّه «٣» . فسكت أبو عبد الله وأيقن أنّ عورته قد بدت لعبيد الله، ووجبت حجّته عليه، وحلّ له قتله.
فانصرف وأعلم القوم بما جرى بينهما، فأمسكوا عن الدّخول إلى عبيد الله وخافوا على أنفسهم منه. ثمّ جاءوه بعد ذلك وأظهروا البراءة مما قيل فيهم،