نولّى منصبه لغيره، فيكون المتولّى بعده على وجل واحتراس. وإنّما الرأى أن ندبّر عليه. فدبّر عليه حتى قتل. هذا أحد الأقوال فى قتله.
قال: ولما وثب الباطنية عليه ضرب ثمانى ضربات، فمات لوقته، وحمل على أيدى مقدّمى ركابه، والقائد الميمون محمد وأخوته لا يمكّنون أحدا من الدنوّ منه، وهم [٨٣] يبشرون النّاس بسلامته، حتى وضعوه على سريره وغطّى. ونفّذ المأمون أخاه حيدرة إلى الآمر يقول له: أدركنى وتسلّم ملكك لئلا أغلب عليه أنا وأنت؛ وأوصاه أن يهنّئ من وجده بسلامة الأفضل. ففعل حيدرة ذلك، وهنّأ حرم الأفضل وغيرهم. فعزم أولاده على إثارة فتنة وأنهم يطلبون الأمر لأخيهم تاج المعالى؛ فأمر الآمر بحمل أولاد الأفضل إلى الإعتقال بخزانة البنود، فحملوا إليها، وبات الأمر بدار الملك.
قال: وكان الأفضل حسن الاعتقاد فى مذهب السنّة، جميل السيّرة، مؤثرا للعدل، صائب الرأى والتّدبير، حسن الهمّة، كريم النّفس، صادق الحديث.
ونال النّاس بعد قتل الأفضل من الظّلم والجور والعسف ما لا يعبّر عنه.
فجاء النّاس إلى باب الآمر واستغاثوا، ولعنوا الأفضل وسبّوه أقبح سبّ؛ فخرج إليهم الخدم وقالوا: مولانا يسلّم عليكم ويقول لكم: ما السّبب فى سبّ الأفضل وقد كان قد أحسن إليكم وعدل فيكم؟ فقالوا: إنّه عدل وتصدّق وحسنت آثاره، ففارقنا بلادنا حبّا لأيّامه، وأقمنا فى بلده، فحصل بعده هذا الجور؛ فهو السّبب فى خروجنا عن أوطاننا واستقرارنا ببلده.