الفجر، وجاء النّاس لخدمته للهناء على طبقاتهم فى أرباب البيوت والأقلام، ثم الشّعراء، وركب إلى القصور، فأتى باب الذّهب، فوجد المرتبة المختصّة بالوزارة قد هيّئت له فى موضعها الجارى به العادة، وأغلق الباب الّذى عندها على الرّسم المعتاد لوزير السّيف والقلم، وهذا الباب يعرف بباب السّرداب. فلما شاهد المرتبة توقّف عن الجلوس عليها لأنّه لم يذكر له ذلك قبل حضوره، ثم ألجأته الضّرورة، لأجل حضور الأمراء، إلى الجلوس عليها فجالس وأولاده الثّلاثة عن يمينه، وأخواه عن يساره، والأمراء المطوّقون «١» خاصّة قائمون بين يديه، ومن عداهم لا يصل إلى هذا الموضع. فما كان بأسرع من أن فتح الباب وخرج عدّة من الأستاذين المحنكين «٢» وخرج إليه الأمير الثّقة متولّى الرّسالة وزمام القصور «٣» ، فوقف أمام المرتبة وقال: أمير المؤمنين يردّ على السّيّد الأجلّ المأمون السّلام. فوقف المأمون عند ذلك وقبل الأرض، وجلس فى موضعه، وتأخر الأمير الثّقة حتى نزل من على المصطبة التى عليها المرتبة وقبّل الأرض ويد المأمون، ودخل من فوره من الباب، وأغلق الباب، على [حاله على]«٤» ما كان عليه الأفضل.