أنزل الله تعالى سورة جعلها عوذة لخلقه من صنوف الشرّ، فلما انتهى الى الحسد، جعله خاتما إذ لم يكن بعده في الشرّ نهاية. والحسد أوّل ذنب عصى الله تعالى به فى السماء، وأول ذنب عصى به في الأرض، أما في السماء، فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض، فحسد قابيل لهابيل، وذهب بعض أهل التفسير في قوله عزّوجلّ إخبارا عن أهل النّار (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)
أن المراد بالجنّ إبليس، وبالإنس قابيل، وذلك أن إبليس أوّل من سنّ الكفر، وقابيل أوّل من سنّ القتل، وأصل ذلك كلّه الحسد.
وقال عبد الله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله، فقيل له: ومن يعادى نعم الله؟
قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدوّ نعمتى، مسخط لقضائى، غير راض بقسمتى.
وقالت الحكماء: إذا أراد الله، أن يسلّط على عبد عدوّا لا يرحمه، سلّط عليه حاسدا.
وكان يقال في الدعاء على الرجل: طلبك من لا يقصّر دون الظّفر، وحسدك من لا ينام دون الشّقاء.
وقالوا: ما ظنّك بعداوة الحاسد، وهو يرى زوال نعمتك نعمة عليه؟
قال أبو الطيب المتنبىّ
سوى وجع الحساد داء فإنه ... إذا حلّ في قلب فليس يحول
ولا تطمعن من حاسد في مودّة ... وإن كنت تبديها له وتنيل