المسلمون البلد وخرجوا منه، واتصلت الطريق وزال الحصار. وأدخل السّلطان إلى البلد [١٢٩] من أراد من الرّجال، وما أراد من الذّخائر، والأموال، والسّلاح؛ فكان من جملة من أمره السلطان بالدّخول إليها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء السّمين. وقتل من الفرنج فى هذا اليوم خلق كثير.
ثم كانت بينهم وقعات فى ثامن شعبان، وتاسعه، وعاشره، وحادى عشره. ثمّ كانت وقعة فى تاسع عشر شعبان بين أهل عكّا والعدوّ فقتل من فى الطّائفتين وجرح.
ثم كانت الوقعة الكبرى فى الحادى والعشرين من شعبان وذلك أن الفرنج اجتمعوا وتشاوروا، وقالوا إن العسكر المصرىّ إلى الآن ما قدم وهذا فعل السّلطان، فكيف إذا قدمت عساكره فأجمعوا رأيهم على مناجزة الحرب. وكانت عساكر السّلطان متفرّقة: منها طائفة فى مقابلة أنطاكية تمنع صاحبها من الإغارة على الأعمال الحلبيّة؛ وطائفة على حمص فى مقابلة طرابلس؛ وطائفة تقاتل من بقى بصور؛ وطائفة بالدّيار المصرية لحماية ثغرى الإسكندرية ودمياط، ومن بقى من العسكر المصرى إلى الآن لم يصل؛ وهذا ممّا أطمع الفرنج فى الظّهور.
قال: وأصبح المسلمون فى هذا اليوم على عادتهم، منهم من يتقدّم إلى القتال ومنهم من هو فى خيمته، ومنهم من قد توجه فى حاجته. فخرج الفرنج من معسكرهم كالجراد المنتشر قد ملأوا الأرض، فكانت وقعة عظيمة ابتداؤها على المسلمين، ثم أنزل الله نصره عليهم، فهزموا الفرنج أقبح هزيمة، وقتل منهم من رؤسائهم عشرة آلاف، وقتل من المسلمين فى هذه الموقعة من الغلمان ومن لم يعرف مائة وخمسون، ومن المعروفين الأمير مجلى بن مروان،