للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم هشام ابنه وكان ينظر في بيع الهدايا التى تهدى اليه. حكى عنه أن أعرابيّا أكل عنده فرفع اللّقمة الى فيه، فقال له هشام: فى لقمتك شعرة يا أعرابىّ، فقال:

وإنك تلاحظنى ملاحظة من يرى الشّعرة، والله لا أكلت عندك أبدا، ثم قام وانصرف.

ومنهم أبو جعفر المنصور كان يلقّب بأبى الدوانيق، لقّب بذلك لأنه لما بنى مدينة بغداد كان يباشرها بنفسه ويحاسب الصّناع، فيقول لهذا: أنت نمت القائلة، ولهذا: لم تبكّر، ولهذا: انصرفت قبل أن تكمّل اليوم، فيسقط لهذا دانقا، ولهذا دانقين، فلا يكاد يعطى لأحد أجرة كاملة، وكان يقول: يزعمون أنّى بخيل، وما أنا ببخيل، ولكن رأيت الناس عبيد المال، فمنعتهم عنه، ليكونوا عبيدا لى. ويحكى عنه أنه قال لطباخه: لكم ثلاثة وعليكم اثنتان، لكم الرءوس والأكارع والجلود، وعليكم الحبوب والتوابل. ومن حكاياته الدالة على بخله: أن صاحبه الربيع بن يونس قال له يوما: يا أمير المؤمنين، إن الشعراء ببابك وهم كثير، وقد طالت أيامهم ونفدت نفقاتهم، فقال: اخرج إليهم وسلم عليهم، وقل لهم من مدحنا منكم فلا يصف الأسد، فإنما هو كلب من الكلاب، ولا الحيّة، فإنما هى دويبة منتنة تأكل التراب، ولا الجبل فإنه حجر أصمّ، ولا البحر، فإنه عطن بضّ لجب، فمن ليس في شعره شىء من هذا فليدخل، ومن كان في شعره شىء منه فلينصرف، فأبلغهم فانصرفوا كلهم إلا إبراهيم بن هرمة فقال: أنا له يا ربيع فأدخلنى عليه: فأدخله، فلما مثل بين يديه، قال له: يا ربيع قد علمت أنه لا يجيبك غيره فأنشده قصيدته التى منها

له لحظات في حفافى سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل

فأمّ الذى أمّنت آمنة الردى ... وأمّ الذى خوّفت بالثّكل ثاكل