للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن أميل قد ظفر به، فسلمت عليه، فرد علىّ السلام، فسكن جأشى واطمأن قلبى وزال روعى، ثم قال لى: أتيت غلاما غرّا فخدعته فانخدع، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما أتيت ملكا جوادا كريما، فمدحته فحملته أريحيّته على أن وصلنى وبرّنى، فأعجبه ذلك، ثم قال: أنشدنى ما قلت فيه، فأنشدته، فقال: والله لقد أحسنت، لكن ما يساوى عشرين ألفا، يا ربيع، خذ المال منه، وأعطه منه أربعة آلاف درهم، فلما ولى المهدى الخلافة، قدم عليه المؤمّل، فأخبره بما كان بينه وبين أبيه، فضحك وردّ عليه ما أخذ منه.

وحكى ابن حمدون في كتابه المترجم بالتذكرة: أن المنصور حجّ في بعض السنين فحدا به سالم الحادى يوما بقول الشاعر

أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغدّى رفعت ستوره

يزينه حياؤه وخيره ... ومسكه يشوبه كافوره

فطرب المنصور حتى ضرب برجله المحمل، ثم قال: يا ربيع، أعطه نصف درهم، فقال سالم: لا غير، يا أمير المؤمنين، والله لقد حدوت بهشام بن عبد الملك فأمر لى بثلاثين ألف درهم، فقال المنصور: ما كان له أن يعطيك من بيت المال ما ذكرت، يا ربيع! وكلّ به من يستخرج منه هذا المال، قال الربيع: فما زلت أسفر بينهما حتى شرط عليه أن يحدو به في خروجه ورجوعه بغير مؤنة، وكان سالم هذا يورد الإبل لثمان ولتسع ولعشر، فيحدو لها فيلهيها حدوه عن ورود الماء.

ومن طريق ما حكى عنه: أن عبيد الله بن زياد الحارثىّ، كتب إليه رقعة بليغة يستميحه فيها، فوقّع عليها: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا لرجل أبطره، وإن أمير المؤمنين مشفق عليك، فاكتف بالبلاغة.