الملك العادل يأتون إلى داره فيجلسون على بابه، حتى يؤذن لهم، فثقل ذلك على أمراء الدولة وخاطبوا السلطان فى أمره، وهو لا يسمع فيه كلام متكلّم.
فلما كان فى سنة ست وستمائة- والسلطان على سنجار- اتفق أن الصاحب تحدّث معه فى شىء، لم يوافق رأى السلطان، فتوقف عن إجابته. فقام الصاحب من مجلس السلطان، وقد غضب، وجرح جرحا مفرطا فى المجلس، حتى خجل العادل ممن حضره، ووجدوا للكلام مجالا فتكلموا فيه. وكان العادل من أثبت الناس، وأحلمهم وأقلهم بطشا، وصفىّ الدين بخلاف ذلك. فبقيت هذه الحادثة فى نفس السلطان كامنة.
وكان القاضى الأعز بن شكر فى هذه السفرة نائب الوزارة بالديار المصرية، وهو ناظر الدواوين بها فى خدمة الملك الكامل، فحصل بينهما مودة.
فحسده من كان ينوب عن الصاحب فى الوزارة قبله. وكانوا يكاتبون «١» الصاحب ويقولون له إنّ الأعز قد توثب عليك، واتصل بالكامل وتمكن منه.
فلما كان فى ذى الحجة، سنة سبع وستمائة، اجتمع بنو شكر عند الصاحب على طعامه. فأشار أن توضع زبديّة «٢» طعام مخصوص بين يدى الموفق- وهو أحد من كان ينوب عن الوزارة- فقال أحد الحاضرين: يده طويلة! - يريد أنها تطول لمكان الزبدية. فقال آخر: طوّلها الذى صرفه من نيابة الوزارة- يعرض به أنه كان يتبرطل! فضحك الأعز ضحكا مفرطا،