للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذكر الماء حتى أردفه بالكلا، وعبتمونى انى قلت: لا يغترّن أحد بطول عمره، وتقويس ظهره، ورقة عظمه، ووهن قوّته، وأن برى دخله أكثر من رزقه فيدعوه ذلك الى إخراج ماله من يده، وتحويله إلى ملك غيره، أو تحكيم السرف فيه، وتسليط الشهوات عليه، فلعلّه أن يكون معمّرا وهو لا يدرى وممدودا له في السن وهو لا يشعر، ولعلّه أن يرزق الولد على اليأس، وتحدث عليه آفات الكبر ما لا يخطر على باله، ولا يدركه عقله، فيستردّه ممن لا يردّه، ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه، أضعف ما كان عن الطلب، وأقبح ما كان له أن يطلب، فعبتمونى بذلك، وقال عمرو بن العاص: اعمل لدنياك عمل من يعيش أبدا، واعمل لآخرتك عمل من يموت غدا، وعبتمونى بأن قلت: إن التلف والتبذير إلى مال المواريث، وأموال الملوك، وإن الحفظ الى المال المكتسب، والغنى المجتلب، والى ما يعرض فيه بذهاب الدين، واهتضام العرض، ونصب البدن، واهتمام القلب أسرع، ومن لم يحسب نفقته لم يحسب دخله، ومن لم يحسب الدخل فقد أضاع المال، ومن لم يعرف للغنى قدره فقد أذن بالفقر، وطاب نفسا بالذلّ، وعبتمونى بأن زعمت أن كسب الحلال، مضمّن بالإنفاق في الحلال، وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وأن الطيّب يدعو إلى الطيّب، وأن الإنفاق في الهوى، حجاب دون الحقوق، وأن الإنفاق في الحقوق حجاب دون الهوى، فعبتم علىّ هذا القول، وقد قال معاوية بن أبى سفيان: لم أر تبذيرا قطّ، إلا وإلى جنبه حقّ مضيّع، وقال الحسن: إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله، فانظروا في أىّ شىء ينفقه، فإن الخبيث إنما ينفق في السرف، وقلت لكم بالشفقة عليكم، وحسن النظر منّى إليكم، أنتم في دار الآفات، والجوائح غير مأمونات، فإن أحاطت بمال