للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرور، المنيّة، ولا الدّنيّة، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور، خير منه في الأعجاز والظهور، يا بنى بكر! قاتلوا، فما من المنايا بدّ، الجبان مبغّض حتّى لأمّه، والشجاع محبّب حتّى لعدوّه.

ويقال: الجبن خير أخلاق النساء، وشرّ أخلاق الرجال.

وقال يعلى بن منبّه لقومه حين فروا من علىّ يوم صفّين: إلى أين؟ قالوا: ذهب الناس، قال: أفّ لكم! فرارا واعتذارا! قال: ولما قوتل أبو الطيّب المتنبى ورأى الغلبة عليه فرّ، فقال له غلامه: أترضى أن يحدّث بهذا الفرار عنك؟ وأنت القائل

الخيل والليل والبيداء تعرفنى ... والطّعن والضّرب والقرطاس والقلم

فكّر راجعا، وقاتل حتى قتل، واستقبح أن يعيّر بالفرار.

وقال المنصور لبعض الخوارج عليه وقد ظفر به: أخبرنى عن أصحابى، أيهم كان أشدّ إقداما في المبارزة، قال: لا أعرف وجوههم مقبلين وإنما أعرف أقفيتهم مدبرين، فقل لهم: يدبروا لأعرفك أيّهم كان أشدّ فرارا.

وقال ابن الرّومىّ في سليمان بن عبد الله بن طاهر

قرن سليمان قد أضرّ به ... شوق إلى وجهه سيدنفه

لا يعرف القرن وجهه ويرى ... قفاه من فرسخ فيعرفه

وقال حسّان بن ثابت يعيّر الحارث ابن هشام بفراره يوم بدر

إن كنت كاذبة الذى حدثتنى ... فنجوت منجى الحارث بن هشام

ذاك لأحبّة لم يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام

ملأت به الفرجين فارمدّت به ... وثوى أحبّته بشرّ مقام