وقال المتوكّل لأبى العيناء: إنى لأفرق من لسانك، فقال: يا أمير المؤمنين، الكريم ذو فرق وإحجام، واللئيم ذو وقاحة وإقدام.
وقيل لأعرابىّ: ألا تعرف القتال؟ فإن الله قد أمرك به، فقال: والله إنى لأبغض الموت على فراشى في عافية، فكيف أمضى إليه ركضا؛ قال شاعر
تمشى المنايا الى قوم فأبغضها ... فكيف أعدو إليها عارى الكفن؟
وقيل ليزيد: إن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيت شخصا بالليل، فكن للإقدام عليه أولى منه عليك» فقال: أخاف أن يكون قد سمع الحديث قبلى، فأقع معه فيما أكره، وإنما الهرب خير.
وسمع سليمان بن عبد الملك قارئا يقرأ (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتّعون إلّا قليلا) فقال: ذلك القليل نريد.
ولما فرّ أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسد يوم مرداء هجر بالبحرين من أبى فديك الخارجىّ إلى البصرة، ودخل عليه أهلها، فلم يدروا كيف يكلّمونه ولا ما يلقونه به من القول، أيهنئونه بالسّلامة أم يعزّونه بالفرار، حتى دخل عبد الله ابن الأهتم، فاستشرف الناس له، ثم قالوا: ما عسى أن يقول لمنهزم؟ فسلّم ثم قال:
مرحبا بالصابر المخذول، الحمد لله الذى نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن الله علم حاجة أهل الإسلام إليك فأبقاك لهم بخذلان من معك لك، فقال أميّة: ما وجدت أحدا أخبرنى عن نفسى غيرك.