الملك الكامل: ليست هذه سياسة حسنة، تساوى بين أهل الحق والباطل، وتمنع أهل الحق من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتأمرهم أن يكتموا ما أنزل الله إليهم. كان الطريق أن تمكن أهل السنة أن يلحنوا بحججهم وأن يظهروا دين الله، إلى غير ذلك من الكلام. وتحقق الملك الأشرف صحة ما قاله الشيخ وصرح بخجله منه، وصار يترضاه، ويعمل بفتاويه، ويأمر أن يقرأ عليه تصانيفه الصغار مثل: الملحة فى اعتقاد أهل الحق، ومقاصد الصلاة، وكرر قراءتها عليه فى يوم ثلاث مرات.
واستمر الحال على ذلك إلى أن مرض الملك الأشرف مرضة موته «١» وأرسل أكبر أصحابه إلى الشيخ وقال: قل للشيخ محبك موسى بن العادل أبى بكر يسلم عليك ويسألك أن تعوده وتدعو له وتوصيه بما ينتفع به غدا عند الله تعالى.
فأبلغه الرسول الرسالة، فتوجه إلى السلطان فسر برؤيته، وقال له: اجعلنى فى حل، وادع لى، وأوصنى، وأنصحنى: ففعل الشيخ ذلك، وتحدث معه فى أشياء منها: إبطال المنكرات بدمشق. فأمر بأبطالها، وتولى الشيخ إزالة بعضها بنفسه، وأطلق السلطان له ألف دينار عينا، فردها عليه: هذه اجتماعه لله تعالى، لا أكدرها بشىء من الدنيا. ثم مات الملك الأشرف إثر ذلك.
ولما حضر الملك الكامل إلى دمشق وانتزعها من أخيه الصالح إسماعيل كما تقدم، حضر الشيخ إلى مجلس السلطان فأكرمه، وفوض إليه تدريس زاوية الغزالى بجامع دمشق ثم فوض إليه قضاء القضاة بعد ذلك بدمشق. فاشترط شروطا كثيرة ولم يله. وقيل إنه تولاه مدة يسيره وعزل نفسه.