عنك إلى منزلك. قال: ذلك أردت، بأبى أنت وأمّى. قال: فقال: يا غلام، احمل هذا إلى منزله، فحمله ومشى أشعب معه. فقالت امرأته: ثكلتك أمّك، قد حلف عبد الله لا يكلّمك شهرا؛ قال: دعينى وإياه، هاتى شيئا من زعفران؛ فأعطته، فأخذه ودخل الحمّام، فمسحه على وجهه وبدنه، وجلس في الحمام حتى صفّره، وخرج متوكأ على عصا يرعد حتى أتى دار عبد الله بن عمرو بن عثمان. فلما رآه حاجبه قال: ويحك! بلغت بك العلّة ما أرى. ودخل فأعلم صاحبه، فأذن له.
فلما دخل عليه، إذا سالم بن عبد الله عنده، فجعل يزيد في الرعدة، ويقارب الخطو، وجلس وما كاد أن يستقلّ. فقال عبد الله: ظلمناك يا أشعب في غضبنا عليك.
فقال له سالم: ويلك! مالك؟ ألم تكن عندى آنفا وأكلت هريسة! قال: لقد شبّه لك، لا حول ولا قوة إلا بالله. قال: لعل الشيطان يتشبّه بك. قال أشعب:
علىّ وعلىّ إن كنت رأيتك منذ شهر. فقال له عبد الله: اعزب ويلك عن خالى! أتبهته لا أمّ لك! قال: ما قلت إلا حقّا. قال: بحياتى اصدقنى وأنت آمن من غضبى. قال: وحياتك لقد صدق؛ وحدّثه بالقصة؛ فضحك حتى استلقى على قفاه.
وقال المدائنىّ والهيثم بن عدىّ: بعث الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى أشعب بعد ما طلق امرأته سعدة، فقال له: يا أشعب، لك عندى عشرة آلاف درهم على أن تبلّغ رسالتى سعدة. فقال له: أحضر المال حتى أنظر اليه، فأحضر الوليد بدرة، فوضعها أشعب على عنقه، وقال: هات رسالتك. قال:
قل لها يقول لك:
أسعدة هل اليك لنا سبيل ... وهل حتى القيامة من تلاق
بلى! ولعلّ دهرا أن يؤاتى ... بموت من حليلك أو طلاق