فقلت للرسول: خذنى فيهم؛ قال: لم أؤمر بك، إنما أمرت بإحضار المغنيين، وأنت بطّال لا تدخل في جملتهم. فقلت له: أنا والله أحسن غناء منهم؛ ثم اندفعت فغنّيت. فقال: لقد سمعت حسنا، ولكن أخاف. قلت: لا خوف عليك؛ ولك مع ذلك شرط. قال: وما هو؟ قلت: كل ما أصبت فلك شطره؛ فأشهد علىّ الجماعة، ومضينا حتى دخلنا على الوليد، وهو لقس النفس؛ فغنّاه المغنّون في كل فنّ فلم يتحرّك ولم ينشط. فقام الأبجر إلى الخلاء، وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره؛ فقال: بينه وبين امرأته شرّ، لأنه عشق أختها فغضبت عليه، وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها، وحلف ألّا يذكرها أبدا بمراسلة أو مخاطبة، فخرج على هذه الحال من عندها. فعاد الأبجر الينا، وجلس ثم اندفع يغنّى:
فبينى فإنى لا أبالى وأيقنى ... أصعّد باقى حبّكم أم تصوّبا
ألم تعلمى أنى عزوف عن الهوى ... إذا صاحبى من غير شىء تغضّبا
فطرب الوليد وارتاح، وقال للأبجر: أصبت والله يا عبيد ما في نفسى، وأمر له بعشرة آلاف درهم وشرب حتى سكر، ولم يحظ أحد بشىء سوى الأبجر. فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر من يضر بنى مائة سوط الساعة بحضرتك! فضحك، ثم قال: قبّحك الله! وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصّتى مع الرسول، وقلت له: إنه بدأنى بالمكروه في أوّل يومه فاتصل «١» علىّ إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة سوط ويضرب بعدى مثلها. فقال: لقد لطّفت، بل أعطوه مائة دينار، وأعطوا الرسول خمسين دينارا من مالنا عوض الخمسين التى أراد أخذها من أشعب، فقبضتها وانصرفت.