للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى جعفر بن يحيى، فسأله عن خبره فقال له: كان عندى أبو زكّار الأعمى وأبو صدقة، وكان أبو زكّار كلّما غنّى صوتا، لم يفرغ منه حتى يأخذه أبو صدقة؛ فإذا انتهى الدور اليه أعاده وحكى أبا زكّار فيه وحركاته وشمائله، ويفطن أبو زكّار لذلك فيجنّ ويموت غيظا ويشتم أبا صدقة كلّ الشتم حتى يضجر، وهو لا يجيبه ولا يدع العبث به وأنا أضحك من ذلك، إلى أن توسّطنا الشرب وسمئنا من عبثه به؛ فقلت له: دع هذا عنك وغنّ غناءك. فغنّى رملا ذكر أنه من صنعته، فطربت له والله يا أمير المؤمنين طريا ما أذكر أنى طربت مثله منذ حين «١» وهو:

فتنتنى بفاحم اللون جعد ... وبثغر كأنه نظم درّ

وبوجه كأنه طلعة البد ... روعين في طرفها نفث سحر

فقلت له: أحسنت والله يا أبا صدقة! فلم أسكت من هذه الكلمة حتى قال:

يا سيدى إنى قد بنيت دارا أنفقت عليها جميع مالى وما أعددت لها فرشا فآفرشها لى.

فتغافلت عنه. وعاود الغناء فتعمّدت أن «٢» قلت: أحسنت، فسألنى فتغافلت؛ فقال:

يا سيدى، هذا التغافل متى حدث لك؟ سألتك بالله وبحقّ أبيك عليك إلا أجبتنى عن كلامى ولو بشتم. فأقبلت عليه وقلت له: أنت والله بغيض، اسكت يا بغيض، واكفف عن هذه المسألة الملحّة. فوثب من بين يدىّ، فقلت: إنه قد خرج لحاجة، فإذا هو قد نزع ثيابه وتجرّد منها خوفا من أن تبتلّ ووقف تحت السماء لا يواريه شىء والمطر يأخذه ورفع رأسه وقال: يا ربّ أنت تعلم أنى مله ولست نائحا، وعبدك الذى قد رفعته وأحوجتنى الى خدمته يقول لى: أحسنت لا يقول لى: أسأت، وأنا مذ جلست أقول له: بنيت ولا أقول له: هدمت، فيحلف