للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بك جرأة عليك أنى بغيض، فاحكم بينى وبينه فأنت خير الحاكمين. فغلبنى الضحك وأمرت به فتنحّى، وجهدت به أن يغنّى فامتنع، حتى حلفت له بحياتك أنى أفرش له داره يا أمير المؤمنين، وخدعته فلم أسمّ له بما أفرشها. فقال له الرشيد: طيّب والله! الآن تمّ لنا به اللهو، أدعه فإنه اذا رآك سوف يتنجّزك الفرش لأنك حلفت له بحياتى فهو يقتضيك ذاك بحضرتى ليكون أوفق له؛ فقل له: أنا أفرشها لك بالبوارىّ «١» وحاكمه الىّ. ثم دعا به فحضر؛ فلما استقرّ في المجلس قال لجعفر: الفرش الذى حلفت بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به دارى، تقدّم به. فقال له جعفر: اختر، إن شئت فرشتها لك بالبوارىّ وإن شئت فبالبردىّ من الحصر؛ فصاح واضطرب.

فقال له الرشيد: وكيف كانت القصة؟ فأخبره، فقال له: أخطأت يا أبا صدقة إذ لم تسمّ النوع ولا حدّدت «٢» القيمة؛ فاذا فرشها لك بالبردىّ أو بما دون ذلك فقد برّ فى يمينه، وإنما خدعك ولم تفطن أنت ولا توثّقت وضيّعت حقّك. فسكت ثم قال:

نوفّر أيضا البردىّ والبوارىّ عليه أعزّه الله. وغنّى المغنّون حتى انتهى الدور اليه، فأخذ يغنّى غناء الملّاحين والبنّائين والسقّائين وما يجرى مجراه من الغناء. فقال له الرشيد: أى شىء هذا الغناء؟ قال: من فرش داره بالبوارىّ والبردىّ فهذا الغناء كثير منه، [وكثير «٣» ] أيضا لمن هذه صلته. فضحك الرشيد وطرب وصفّق وأمر له بألف دينار من ماله، وقال له: افرش دارك بهذه. فقال: وحياتك يا أمير المؤمنين لا آخذها أو تحكم لى على جعفر بما وعدنى وإلا متّ والله أسفا لفوات ما حصل في طمعى ووعدت به؛ فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار أخرى، فأمر له جعفر بها.