للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخلت ليلة الأحد وهم فى حصرهم وقد أوقعهم الله فى حبائل مكرهم، وأراهم من الحصر والضيق ما لا رأوه مدّة عمرهم، وأيقنوا بالهلاك [٣٧] ، وتحققوا أن لا خلاص لهم من تلك الأشراك، ولو سمعوا ما سبق من الإنذار لما أتوا للمبارزة مظهرين، ولو علموا سوء صباحهم كفروا عشاء ونجوا من قبل أن يتلى فى حقهم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ

[١] وأصبح الإسلام يوم الأحد فى قوته المنيعة، وأرواح العدى فى أجسادهم وديعة، ومولانا السلطان يصطبح من دمائهم كما اغتبق، ويريهم عزما ينثر عقد اجتماعهم الذى انتظم واتّسق، ويفهمهم أنّه لا مردّ له عن مراد الصّوارم، وأنه لا يفارق الجبل حتى يجعل عوض أحجاره جماجم، وأمراؤه- أعزّ الله نصرهم بين يديه- أولو همم فى الحرب وأولو عزائم، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ

[٢] يعدّون المصابرة فى طاعة الله وطاعة سلطانهم غنيمة جمعت لهم أسباب الفخار؛ ويمتازون بأنّ منهم من هاجر إليه، ومنهم من نصره، فعدّوا- حقا- كونهم مع محمد تابعى المهاجرين والأنصار، وزحف السلطان وبين يديه أمراؤه وعساكره المؤيدة فضيقوا عليهم الخناق، وأحدقوا بهم إحداق الهدب بالأحداق، وراسلوهم بالسهام، وشافهوهم بالكلام لا الكلام، ورفعوا من راياتهم [٣٨] المنصورة ما طاول المنشآت فى البحر كالأعلام، وحمل بها الأبطال، فكلما رآها العدى تهتزّ بتحريك نسيم النّصر سكنوا خوف الحمام، ثم فرّجوا لهم عن فرجة من جانب الجبل ظنّوها فرجا، وخيّل لهم أنّه من سلك تلك الفرجة سلك طريقا مستقيما، وما دروا أنه سلك طريقا عوجا، واستترت لهم الجيوش المنصورة إلى الوطاة لتمكّن سيوفها من سفكهم، ويقرب مدى هلكهم، وتسلمهم إلى الحمام الذى لا ينجى منه خيل ولا جبل، وتملأ الوطاة من دمائهم، فتساوى السهل من قتلاهم بالجبل، وحلّ الحمام بساحتهم، وامتدت الأيدى لاستباحتهم، وضاقت عليهم المسالك، وغلبوا هنالك، وأنزل الله نصره على المؤمنين وأيدهم بجنود لم يروها، واشترى منهم أنفسهم بأنّ لهم الجنة- فيا طيب ما شروها، وفرّت من العدو فرقة،


[١] سورة الصافات آية ١٧٧.
[٢] سورة المائدة آية ٥٤.