للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو تمكّن- رضى الله عنه- لأخبره بما وجده من ثواب الجهاد فى جنات وعيون، وبشره بما أعدّه الله لمن فقد من المجاهدين فى هذه الغزاة المبرورة بين يديه، وتلا عليه وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

[١] ولأثنى على امرائه الذين فعلوا من المصابرة والمحافظة ما أوجبه حسن التهذيب منه- رحمه الله- وجميل التربية، وشكر عزائمهم التى ما ناداها أهل مملكة لكشف خطب إلا أجابوهم بمواقع التّلبية، واعتدّ بطاعتهم للميّت والحىّ، وموالاتهم التى ذاعت فى كل ناد وحىّ، والقرّاء حول ضريحه يتلون آيات الله التى كان- رضى الله عنه- بها عاملا، ولم يزل ربع تقواه بها آهلا، فشمل مولانا السلطان- خلد الله ملكه- الأنام بالصدقات المتوفرة، [٥٣] وسمح من الذهب والفضة بالقناطير المقنطرة، وازدحمت الأمانى على سيبه كما ازدحمت الأعادى على سيفه، فكان كما قيل:

(قدّاح زند المجد لا تنفكّ من ... نار الوغى إلّا إلى نار [٢] القرى)

وركب من التّربة الشريفة والرعايا يدعون بدوام دولته التى أضحت قواعد الأمن بها متينة، ويرتعون بالمدينة فى لهو ولعب وزينة.

وسار جواده بين حلىّ وحلل، فاستوقف الأبصار، فى مسلك حفّت به غرف من فوقها غرف مبنية تجرى من تحتها الأنهار.

وعاد إلى قلعته ظافرا عود الحلى إلى العاطل، وغدت ربوعه الموحشة لبعده بقربه أواهل، وطلعها فى أيمن طالع لا يحتاج معه إلى اختبار ولا رصد، وحلّت شمس ملكه فى برجها وكيف لا وهو فى برج الأسد، فالله تعالى يمتع الدنيا بملك حمى شاما ومصرا، وأذاق التتار بعزائمه مصائب تترى.


[١] سورة آل عمران آية ١٦٩.
[٢] البيت من مقصورة ابن دريد.