للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نائب السلطنة أنّه من بيت رياسة، ورجل فقير، وأنه قليل الاجتماع بالناس، وأن هذا الذى يعرض له نوع من الوسواس، وتاب هو إلى الله تعالى مما كان يدّعيه، واستمر مدّة ثم عاد إلى ما كان عليه من الدعوى فعقد له مجلس فى ثالث شهر رمضان سنة سبع وسبعمائة بدمشق أيضا [٢٥] بحضور نائب السلطنة المشار إليه وقضاة القضاة والعلماء، وحصل البحث فى أمره فأفتى بعض العلماء بقتله، وأفتى بعضهم باستتابته وتعذيره، فجدّد عليه مكتوب بالتوبة عن الكلام فى المغيّبات، واعتنى به الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب كما أخبرنى فأقامه من المجلس وقال: هذا رجل مجنون وأرسله إلى البيمارستان [١] النورى، فأقام به مدة ثم خرج منه، ثم عاد إلى ما كان عليه، وهذا المذكور مستمر على دعواه لا يرجع عنها إلى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وهو بالقاهرة لا يزال يذكر هذا القول ويلهج به ويدّعيه وحضر إلىّ مرارّا ونهيته عنه فلم ينته ولا يرجع، ويقول: إنه حكيم الزمان، وإنه يخاطب بما صورته بيأيها الحكيم، ويذكر السلطان الملك الناصر ويقول: إنّه أرسل إليه، وإنه إذا اجتمع به له من الأوفاق والطلمسات أشياء كثيرة ذكرها لي يطول شرحها، وهو يتردّد إلى قاضى القضاة بدر الدين ابن جماعة الشافعى، ويعرض عليه أقواله، ويسأله الحديث له مع السلطان، فيصرفه عن ذلك، ويصرف له من الصدقات الحكمية ما يرتفق به.

ولما تكرر هذا القول منه وشاع وذاع عنه اتّصل بالأمير سيف الدين ألجاى الدوادار الناصرى فى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضره وطالبه بإقامة البرهان على صحة ما يدّعيه فذكر أن الذى يذكره إنما يظهر ويفيد بين يدي السلطان، فقال له: انا أجمع بينك وبين السلطان، فقال نجم الدين: إنما أمرت أن يتحدّث لى مع السلطان قضاة القضاة، ولم أومر بك، فقال، أنا أدع القضاة، يتكلّمون مع السلطان فى أمرك، وحصره وضايقه بكل طريق وأقام


[١] البيمارستان النورى: بدمشق وينسب إلى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى بن آقسنقر. أنشأه ضمن ما أنشأ من مدارس ودور العدل والخوانق والبيمارستانات والخانات سنة ٥٦٣ هـ وبناه بمال افتدى به ملك الفرنج نفسه من الأسر ابن الأثير: التاريخ الباهرى الدولة الأتابكية، ص ١٧٠- ١٧١ والنويرى:
نهاية الأرب ج ٢٧، ص ١٦٧، أبو شامة: كتاب الروضتين ج ١ ق ١ ص ٢١.