للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما بلغنا عن بعض الجهال من الأكراد ونحوهم وقد ميزّ الله- تعالى- فى كتابه بين الكلام والمداد، فقال: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً

[١] فهذا خطأ من هذا الجانب، وكذلك من زعم أنّ القرآن محفوظ فى الصدور، كما أن الله معلوم بالقلوب، وأنه متلو بالألسن، كما أن الله مذكور بالألسن، وأنه مكتوب فى المصحف، كما أنّ الله مكتوب فى المصحف، وجعل ثبوت القرآن فى الصدور والألسنة والمصاحف مثل ثبوت ذات [٢] الله فى هذه المواضع، فهذا أيضا مخطئ فى ذلك، فإنّ الفرق بين ثبوت الأعيان فى المصحف وبين ثبوت الكلام فيها بيّن واضح، فإن الأعيان لها أربع مراتب: مرتبه فى الأعيان، ومرتبه [٣١] فى الأذهان، ومرتبة فى اللسان، ومرتبة فى البيان، فالعلم يطابق العين، واللفظ يطابق العلم، والخط يطابق اللفظ، فإذا قيل: إن العين فى الكتاب كما فى قوله: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ

[٣] فقد علم أن الذى فى الزبر إنما هو الخط المطابق للفظ المطابق للعلم فبين الأعيان وبين المصحف مرتبتان وهى اللفظ والخط وأما الكلام نفسه فليس بينه وبين الصحيفة مرتبة غيرهما بل نفس الكلام يجعل فى الكتاب، وإن كان بين [٤] الحرف الملفوظ والحرف المكتوب فرق من [٥] غير وجه آخر الا إذا أريد أن الذى فى المصحف هو ذكره والخبر عنه، مثل قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ

[٦] إلى قوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ

[٧] فالذى فى زبر الأولين ليس هو نفس القرآن المنزل على محمد. إن هذا القرآن لم ينزل على أحد قبله ولكن فى زبر الأولين صح ذكر القرآن وخبره، كما فيها ذكر محمد وخبره، كما أن أفعال العباد فى الزبر كما قال: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ

[٨] فيجب الفرق بين كون هذه الأشياء


[١] سورة الكهف آية ١٠٩.
[٢] فى ك «كتاب» والمثبت من ص، وف.
[٣] سورة القمر آية ٥٢.
[٤] فى ك، وفى «من» والمثبت من ص.
[٥] فى ك «عن» والمثبت من ص، وف.
[٦] سورة الشعراء، الآيات ١٩١- ١٩٢.
[٧] سورة الشعراء ١٩٦- ١٩٧.
[٨] سورة القمر آية ٥٢.