للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الليالى فى أمر أفعله يكون سبب خلاصى، فألهمنى الله تعالى أنه لا يخلصنى من الشد إلا أن أردّهم عن المظالم، وألّا أوافق على فعلها، واتّفق فى غضون ذلك أنّ القاضى شرف الدين بن مزهر [١] ناظر الدواوين حضر إلىّ وقد عين أسماء جماعه من الولاة والمباشرين بالأعمال البرانية أن يستخرج منهم مبلغ ثمانين ألف درهم لبيت المال، فلم أوافقه على ذلك، ورددته عنه، وقبحت عليه فعله، ففارقنى واجتمع بنائب السلطنة الأمير جمال الدين، وشكا إليه ذلك، وكتب تذكرة، وعلم نائب السلطنة عليها وسلمها إلىّ فى المجلس وقال لى استخرج مبلغها من هؤلاء. فقلت والله لا أفعل هذا أبدا ولا أوافق عليه، وإنما أنا أطلب هؤلاء الذين عينوا فى هذه التذكرة، ويحاققهم هذا الناظر وجماعة المستوفيين، فمن ظهرت خيانته استعدت منه ما التمسه، وأدّبته أدبا شافيا، ومن ظهرت أمانته خلعت عليه وأحسنت إليه وأعدته إلى جهته، أو نقلته إلى أجود منها، وأما خلاف هذا فلا أفعل. فطالع شرف الدين بن مزهر الأبواب السلطانية بذلك، فوصلت تذكرة سلطانية من الديار المصرية باستخراج المال المذكور عن ممّن عيّن، ووصل إلى قرينها [٢] كتاب السلطان باعتماد ما تضمنه، واستخراج المال وحمله، فامتنعت من ذلك وصممت على أن لا أتحدث فيه أبدا ولا أوافق عليه إلا بعد المحاققة. فلما علموا منى معارضتهم ودفعهم عما يقصدونه من المظالم صرفت من الشّدّ، وأفادنى هذا الرأى. فلما ولّيت ديوان الخاص هذا. وهو أملاك ومواريث شرع ليس فيه مظلمة ولا مكس انبعثت لمباشرته، وطابت نفسى بالحديث فيه، وأظهرت ما أعرفه فهذا هو السبب. واستكتمنى- رحمه الله تعالى- ذلك، فكتمته مدّة حياته، ثم ذكرته بعد وفاته. وكان رحمه الله حسن الرّفقة لا ينفرد برأى، ولا يستقل بأمر قبل أن يعرضه على رفقته، ولقد كانت تأتيه كتب السلطان له فيما يتعلق بديوان الخاص فلا يفتحها حتى أحضر ويخرجها إلىّ مختومة فأقرأها عليه- وكان يحسن القراءة- ثم اتّفق معه على الجواب عنها وأكتبه عنه ويكتب عليه،


[١] هو شرف الدين يعقوب بن فخر الدين مظفر بن أحمد بن مزهر الحلبى، توفى سنة ٧١٤ هـ (البداية والنهاية ١٤: ١٤٦، والدرر الكامنة ٥: ٢٠٩- وفيها توفى سنة ٧٢٩ هـ والسلوك ٢/١: ١٤١، والدليل الشافى ٢: ٧٩١- توفى سنة ٧١٤ هـ) .
[٢] فى ك «فرسها» والمثبت من ص، وف.