للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها فى ذى الحجة توفى الأمير سيف الدين بلبان الجوكان [١] دار المنصورى نائب السلطنة بحمص- رحمه الله تعالى- وهو من المماليك السلطانية فى زمن إمرة السّلطان الملك المنصور، وكان رجلا جيّدا أمينا ثقة ما رأيت فى أبناء جنسه ممن اختبرته فى الأمانة والعفة مثله، رافقته مدّة فى ديوان الخاص بدمشق واطّلعت منه على أمانة غزيرة، ونزاهة وافرة ومعرفة تامة وكان يوم ذاك ينوب عن السلطنة بقلعة دمشق وفوض إليه السلطان شد ديوان أملاكه بالشام، وكتبت يومئذ مباشرها، وذلك فى شوال سنة اثنتين وسبعمائة إلى أن نقل إلى نيابة السلطنة بحمص فاطلعت من أمانته ونزاهته ومعرفته على ما أشرت إليه، وكان قد اشتهر عنه فى مباشرة شدّ الدواوين عدم المعرفة والغفلة والبلادة، فلما رافقته ظهر لى منه معرفة تامة، وخبرة واطلاع ينافى ما كان قد اشتهر عنه، فسايرته يوما وانفردت بمسايرته، وجرى بنا الحديث فسألته عن ذلك، وعرّفته ما ظهر لى منه وما كان قد اشتهر عنه، فتبسّم وقال: والله ما لمح أحد من أمرى ما لمحته، وما سألنى أحد عنه قبلك، وأنا أخبرك عن ذلك، وهو أننى والله ما ولّيت للسلطان ولاية قطّ وأنا راض بها، وشرع يذكر لى ولايته وتنقلاته من الجندية وما بعدها، ثم قال: ولما نقلت من نيابة قلعة صفد إلى دمشق ووليت شاد الدواوين وأستاذ دارية كرهت ذلك أشدّ كراهة واستعفيت منه فلم أعف، والله كان إذا أحضرت إلىّ النفقة المقررة لى على بيت المال عن وظيفة الشد. وهى فى كل يوم خمسة وسبعون درهما- ووضعت بين يدى يخيّل لى أنها عقارب تلدغنى ولقد والله كنت أعرض على نفسى أنواع البلاء والعاهات، وولاية الشد [٤٢] فيسهل على أن ابتلى ببعض العاهات ولا أكون مشدّا، إلا العمى فإنى كنت أستصعبه وأختار الشد عليه، وأما لو خيرت أن يبطل إحدى يدى أو رجلىّ أو عينىّ تزول إحدهما وأبصر بالأخرى وأعفى من الشد لا خترت ذلك، ورضيته على الشد فقصدت إظهار عدم المعرفة والتغافل عن المهمات والمصالح حتى شاع ذلك عنى واتصل بأبواب السلطنة ورجوت بذلك الخلاص من وظيفة الشد، فلم يجد ذلك لى نفعا ولا عزلت، ففكرت بعض


[١] كذا رسم الكلمة من الأصول. وترسم أيضا «الجوكندار» وانظر الدليل الشافى ١: ١٩٨.