يا أبا العيناء، متى أسلمت؟ فقال: حين آمن أهلك وأبوك الذين لم يؤدّبوك. فقال له الفتى: إذا قد علمت أنك ما أسلمت. فقال أبو العيناء: شهادتك لأهلك دعوى، وشهادتى عليهم بلوى، وسترى أىّ السلطانين أقوى، وأىّ الشيطانين أغوى؛ وسيعلم أهلك، ما جنى عليهم جهلك. قال: فأتاه أبوه فتبرّأ من ذمّته، ودفعه اليه برمّته. فقال له أبو العيناء: قد وهبت جوره لعدلك، وتصدّقت بحمقه على عقلك.
ومن أخبار أبى العيناء أيضا: أنّ محمد بن عبيد الله بن خاقان حمله على برذون زعم أنه غير فاره، فكتب الى أبيه: أعلم الوزير أعزّه الله تعالى أنّ أبا علىّ محمدا أراد أن يبرّنى فعقّنى، وأن يركبنى فأرجلنى! أمر لى بدابّة تقف للنبرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عجفا، وكالعاشق المجهود دنفا؛ يساعد أعلاه لأسفله «١» ، حباقه «٢» مقرون بسعاله؛ فلو أمسك لترجّيت، أو أفرد لتعزّيت؛ ولكنه يجمعهما في الطريق المعمور، والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد؛ تضحك من فعله النسوان، ويتناغى من فعله الصبيان؛ فمن صائح يصيح: داوه بالطباشير، ومن قائل يقول: نقّ له من الشعير. قد حفظ الأشعار، وروى الأخبار، ولحق العلماء فى الأمصار؛ فلو أعين بنطق، لروى بحقّ وصدق، عن جابر الجعفىّ، وعامر الشّعبىّ. وإنما أتيت من كاتبه الأعور، الذى اذا اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإذا اختار لغيره أخبث وأنزر. فإن رأى الوزير أن يبدلنى ويريحنى بمركوب يضحكنى كما يضحك منى، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطّره العيب بقبحه ودمامته.
ولست أردّ كرامه، سرجه ولجامه؛ لأن الوزير أكرم من أن يسلب ما يهديه، أو ينقض ما يمضيه. فوجّه اليه عبيد الله برذونا من براذينه بسرجه ولجامه. ثم اجتمع محمد