للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نهار السبت المذكور استغاث العوامّ والحرافيش، وبلغنى من جماعة أنهم رفعوا أعلاما ثلاثة: أحدها أبيض، والثانى أحمر، والثالث عليه صليب، فتغافل السلطان عن ذلك، ولم يأمر فيهم بشىء، فلما وقع منهم هذا الفعل اشتد غضبه، وجرّد جماعة من الحجّاب والنقباء والمماليك حتى أوصلوا كريم الدين إلى داره.

ثم ذكر السلطان هذه الواقعة لأكابر الأمراء كل منهم على انفراده، فبدأ بالأمير سيف الدين بكتمر الأبى بكرى [١] ، واستشاره فيما يفعل فى ذلك، والمذكور رجل تركى جافى الطبع، عديم السياسة، فقال للسلطان: المصلحة أن السلطان يرسل إلى العوام فيقول لهم: يا خوشداشيّة [٢] أنتم رعايانا والسواد الأعظم، وإن كنتم قد كرهتم هذا الخنزير عزلناه عنكم، وولينا غيره، ونطيّب خواطرهم، فغضب السلطان من كلامه، وشتمه واستقل عقله، وسفّه رأيه، وواجهه بالسب، ونفر فى وجهه، وكان من أمره ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.

ثم استشار الأمير جمال الدين آقش الأشرفى [٣] بعده، ولم يعلم ما قاله الأمير سيف الدين المذكور، ولا ما قيل له، فقال: يا مولانا السلطان، الناس قد كرهوا هذين الرجلين- يشير إلى كريم الدين الوكيل، وكريم الدين الناظر- والمصلحة عزلهما، وصدقات السلطان كثيرة تشملهما فى العطلة كما تشملهما فى العمل- أو نحو هذا ومعناه من الكلام- وإذا عزلهما السلطان سكنت هذه الفتنة، فكره السلطان كلامه أيضا، لكنه لم يواجهه بما واجه به الأبى بكرى، بل قال له: والله لا بد أن آمر بوضع السيف فى العوامّ، وسفك دمائهم، حتى لا يتجرّأ من بعدهم من العوام على الملوك.


[١] بكتمر الأبوبكرى: من أكابر الأمراء فى دولة الناصر، تنقل من الجندية إلى الطبلخاناه، ثم عظم قدره إلى أن صار أمير سلاح، غضب عليه السلطان سنة ٧٢٢ فسجنه بالقلعة، فبقى فى سجنه إلى أن مات فى شعبان ٧٢٨ هـ (الدرر ١/٤٨٢) .
[٢] خوشداشية: الفرد خوشداش، وهو لفظ مركب من خوش- طيب أو جيد وداش (فى التركية) نا للمتكلمين ويمكن تفسيره ب «يا رفاقنا الطيبين» .
[٣] آقش الأشرفى: جمال الدين البرناق المعروف بنائب الكرك، وانظر ترجمته فى: الدرر (١/٣٩٥) ، وليلاحظ أن المدة فى آق وآقش علامة تفخيم الحرف التالى لها فى اللغة التركية.