للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم استدعى الأميرين: سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب. كان. وسيف الدين الملك الحاج [١] . وهما من الأمراء الأكابر الخصّيصين بخدمة السلطان ويعرفان أخلاقه، ويبتغيان مراضيه، فسايراه بالميدان، فذكر لهما ما فعله العوامّ بكريم الدين، وقال: هذا الرجل هو وكيلى ووزيرى، والمتصرف فى دولتى، وحرمته من حرمتى، وقد تجرأ العوام عليه، ورجموه وأخرقوا [٢] حرمته، فما الذى تريان أن أفعله فى ذلك؟ فاستعظما فعل العوام، وقالا: لقد وقع العوامّ فى أمر عظيم ما سبقهم أمثالهم إلى مثله، وكان ينبغى أنهم لما فعلوا ذلك أن يمسك منهم جماعة، ويوقع بهم من النّكال ما يكفّ غيرهم عن التجرّى والتعدّى.

فرسم السلطان أن يتوجّه الحاجب ونقيب النقباء، وجماعة معهم، ويقبضوا على من ظفروا بهم من العوام، فأخبرنى الأمير سيف الدين بكتمر الحسامى المشار إليه قال: والله لما قال السلطان ذلك دخل علىّ وعلى رفيقى من الألم ما علمه الله تعالى، وعلمنا أننا قد تكلمنا بكلام أوجب سفك دماء جماعة من المسلمين، فتلطّفنا بالسلطان، وقلنا: إن الذى فعل هذا الفعل، وأقدم على هذا الأمر العظيم علم أنه صاحب ذنب وهرب، واختلط المذنب بالبرىء ونخشى أن نمسك من لا أذنب ولا أقدم على هذا الأمر، فنعاقب البرىء بذنب المجرم، فيكون ذلك فى ذمة السلطان، ونحن لا نختار هذا، ولكن المصلحة أن يخرج القاضى كريم الدين على عادته، وتتفرق جماعة من المماليك السلطانية، فيكونوا بالقرب منه، لعل البعض يتعرض إليه، فيمسك منهم من فعل ذلك، ويعاقب المذنب حقيقة، ويسلم البرىء، وتبرأ ذمة السلطان، قال: ولم نزل نتلطف به، ونسكن غضبه، إلى أن سكن حرجه بعض السكون.

ولما قرب وقت انصراف السلطان من الميدان أمر الحاجب [٣] والنقباء قبل خروجه بضرب العوامّ والحرافيش، وطردهم عن طريق السلطان فيما بين


[١] هكذا فى «أ» ص ١٢ و «ك» وفى السلوك: سيف الدين آل ملك الجوكندار الأمير الحاج، ومثله فى ابن حجر (الدرر ١/٤١١) والحاج: من ألقاب مقدمى الدولة ومن فى معناهم وإن لم يكن قد حج (عن: صبح الأعشى ٦/١١) .
[٢] أخرقوا: يريد انتهكوا، وهذا الفعل يستعمل بهذا المعنى كثيرا عند مؤرخى هذه الفترة.
[٣] فى «أ» ص ١٣ (الحجاب) بلفظ الجمع.