للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الميدان والقلعة، فطردوا، وركب السلطان إلى القلعة وهو على غاية الحرج، والحدّة والغضب، وكان قد أمر بالقبض على العوام، فمسك منهم جماعة كثيرة، فأحضر السلطان القضاة فى يوم الأحد الثالث والعشرين من الشهر، واستفتاهم فى أمرهم، وأنهم انتهكوا الحرمة، وتعدّوا على وكيله، مع جلالته عنده، ورجموه، فأفتوه بتعزير من ثبت عليه أنه رجم، فلم يرضه ذلك، فأمر بقطع أيدى من عرف بالفساد منهم، فقطعت أيدى أربعة، وجرّسوا [١] ، ولم يحسم أيديهم، فمات بعضهم، وأمر السلطان أن يقيد بقية من مسك، ويستعملوا فى جسور الجيزية، ففعل ذلك بهم، والعوام لا يرتدعون ولا [يتركون] [٢] العاثة.

وفى يوم الأحد المذكور أمسك بالجامع الظاهرى ثلاثة من النصارى قد لبسوا العمائم البيض، وتراءوا فى زى [٣] المسلمين، ودخلوا الجامع، وقصدوا إحراقه، فجىء بهم إلى متولّى القاهرة الأمير علم الدين سنجر الخازن [٤] ، فأنكر على نائبه بالحسينية- وهو الذى أحضرهم- وقال: من يشهد على هؤلاء أنهم حرقوا؟ وشتمه، وإنما فعل ذلك [رعاية [٥]] لخاطر من يعتنى بهم، فتوجه النائب المذكور، وهجم بيوت هؤلاء النصارى الذين وجدوا فى الجامع، فوجد فيها آلات الحريق، وفتايل قد عملت بالزيت والكبريت، وغير ذلك من الأصناف المحرقة، فضرب أولئك ضربا خفيفا، فاعترف اثنان، وأنكر الثالث، فاعتنى بهم فأطلقوا، ولم ينه خبرهم إلى السلطان، وقرر عنده أنه لم يحرق من النصارى إلا أولئك الغرب الذين حرقوا، وهو لا يشك فى ذلك.

ولما كان فى يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر جلس السلطان بدار العدل على العادة، [وحضر القضاة والأمراء وغيرهم على جارى العادة] [٦] ،


[١] جرسه: شهره، وأصله أن من يشهر يجعل فى عنقه جرس، ويركب على دابة مقلوبا، أى وجهه من جهة ذنبها (شفاء الغليل ص ٧٦ و ٧٧) .
[٢] ما بين الحاصرتين زيادة عن «أ» ص ١٣ والعاثة: يريد بها الإفساد، من عاث يعيث، وقياس مصدره العيث والعيوث، والعيثان.
[٣] فى «أ» ص ١٣ (وتزيوا بزى) .
[٤] سنجر الخازن: هو سنجر السرورى الأشرفى، كان من المماليك المنصورية فلم يزل يترقى إلى أن صار والى القاهرة (من ٧١٢- ٧٢٤) وإليه ينسب حكر الخازن بالقاهرة قريبا من بركة الفيل، وله خانفاه بالقرب من الإمام الشافعى (الدرر ٢/١٧٢) .
[٥] ما بين الحاصرتين زيادة عن «أ» ص ١٤.
[٦] ما بين الحاصرتين سقط من «ك» ، والزيادة من «أ» ص ١٤.