وقالوا: صاحب الشراب صديقك ما استغنيت عنه حتى تفتقر، وما عوفيت حتى تنكب، وما غلت دنانك حتى تنزف، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك. قال بعض الشعراء عفا الله تعالى عنه:
أرى كلّ قوم يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النّبيذ حريم
اذا جئتهم حيّوك ألفا ورحّبوا ... وإن غبت عنهم ساعة فذميم
إخاؤهم ما دارت الكأس بينهم ... وكلّهم رثّ الوصال سئوم
فهذا بيانى لم أقل بجهالة ... ولكننى بالفاسقين عليم
قيل: سقى قوم أعرابيّة مسكرا، فقالت: أيشرب نساؤكم هذا الشراب؟
قالوا نعم. قالت: فما يدرى أحدكم من أبوه. وقال قصىّ بن كلاب لبنيه:
اجتنبوا الخمر فإنه يصلح الأبدان ويفسد الأذهان. وقيل لعدىّ بن حاتم: مالك لا تشرب النبيذ؟ قال: معاف الله! أصبح حليم قوم وأمسى سفيههم. وقيل لأعرابىّ:
مالك لا تشرب النبيذ؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلى. وقيل لعثمان بن عفّان:
ما منعك من شرب الخمر في الجاهليّة ولا حرج عليك؟ قال: إنى رأيتها تذهب العقل جملة وما رأيت شيئا يذهب جملة ويعود جملة. وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب ابن رباح: هل لك فيما يثمر المحادثة؟ يريد المنادمة، فقال: أصلح الله الأمير! الشّعر مفلفل واللون مرمدّ، ولم أقعد اليك بكرم عنصر ولا بحسن منظر، وإنما هو عقلى ولسانى؛ فإن رأيت ألّا تفرّق بينهما فافعل. ودخل نصيب هذا على عبد الملك ابن مروان فأنشده فاستحسن عبد الملك شعره فوصله؛ ثم دعا بالطعام فطعم معه.
فقال له عبد الملك: هل لك [أن «١» ] تنادم عليه؟ قال: يا أمير المؤمنين، تأمّلنى. قال: قد أراك. قال: يا أمير المؤمنين، جلدى أسود وخلقى مشوّه ووجهى قبيح ولست