المكارم، وبذل ماله، فمدحه الشعراء، ورغب الناس فى صحبته والاجتماع به، ولم يزل على ذلك وحاله تتزايد إلى أن استقر بيبرس الجاشنكير فى السلطنة كما تقدم، فعظم عند ذلك شأنه [١] ، وارتفع مكانه، وعلت رتبته، وسمت همّته، وهو مع ذلك تبع لخاله تاج الدين بن سعيد الدولة، يأتمر بأمره، ويتصرف عن رأيه، ويقف بين يديه، وإذا خاطبه تاج الدين لا ينعته غالبا بل يكنّيه بأبى الفضايل لا يزيده على ذلك، سمعته يخاطبه بذلك، وكان تاج الدين المذكور قد تمكن فى دولة بيبرس الجاشنكير المنعوت بالملك المظفّر، وكان يباشر نظر الدولة، ويجلس إلى جانب نائب السلطنة الأمير سيف الدين/ (٤١) سلّار بدركاة باب القلّة، ويكتب على ساير ما يكتب عليه السلطان قبل خط السلطان ما مثاله «يحتاج إلى الخط الشريف» ولا تقدم الدّواداريّة للعلامة إلا بعد مشاهدة خطّه بذلك، إلا كتب البريد خاصة، وكانت كتب السلطان الملك المظفر إلى النواب والولاة وغيرهم بالشام وغيره لا تختم إلا بعد عرضها عليه إذا كان فيها ذكر الأموال، فلما مات تاج الدين بن سعيد الدولة فى سنة تسع وسبعماية فى سلطنة المظفر بيبرس استقر كريم الدين فى وظيفته، فلم تطل المدة إلى أن خلع بيبرس من السلطنة كما ذكرناه، فكانت هذه الولاية كسحابة صيف، أو زيارة طيف.
ولما توجه المظّفر بيبرس إلى الصعيد توجه كريم الدين معه، فلما استقر السلطان الملك الناصر بقلعة الجبل حضر كريم الدين إلى الأبواب السلطانية برسالة مخدومه، وأعاد الخزانة التى كانت معه، فخلع السلطان عليه بسبب ذلك، ثم قبض عليه لما قبض على بيبرس، ورسم بمصادرته، وسلّمه السلطان للأمير جمال الدين آقش الأشرفى، وأمره باستصفاء أمواله، وإعدامه بعد ذلك من الوجود، لما كان يبلغ السلطان عنه فى زمن خدمته لبيبرس الجاشنكير، عند ذلك بذل كريم الدين الأموال، وفرّقها فيمن يقبلها من مماليك السلطان وغيرهم، فأعطى مالا كثيرا، فيقال: إنه أعطى للأمير سيف الدين بكتمر الجوكاندار
[١] انظر فى خبر تمكن كريم الدين فى دولة بيبرس الجاشنكير ما أورده ابن تغرى بردى فى: النجوم الزاهرة ٩/٧٦.