للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماط الذى لا يمد لنائب سلطنة مثله، ويتقدمه المشروب، ويأكل من حضر السماط من الأعيان وغيرهم، فيأكلون بعد المشروب، ثم تمدّ الحلوى بعد السماط، وهو جالس على مرتبته لا يأكل من ذلك شيئا، ثم يؤذن للناس فى الانصراف، ويمد له طعام الطارى فيأكل منه، وبلغنى أنه كان يفعل ذلك فى أسفاره إلى الشام وغيره، وكانت رواتبه وافرة لم يكن لنائب سلطنة نظيرها، وعطاياه وصلاته وإنعامه وتشاريفه متواصلة بمن يتعلق بالسلطان من خواصه وأمرائه/ (٥٠) ومماليكه وغلمانه، لا ينقضى يوم إلا وقد أنعم فيه بالجمل الكثيرة.

وكان الذى أعانه على ذلك أنه تخوّل [١] فى أموال الدولة، واتسع جاهه، وكثرت متاجره، وتقرب الناس إليه ببذل فوائد المتاجر، وضايق الناس فيما بأيديهم حتى كان يرسل كل سنة إلى تجّار الكارم- عند وصولهم من اليمن إلى ثغر عيذاب- من يأخذ منهم جملة من الفلفل بأقل من قيمته بعدن، ويلزمهم بحمله والقيام بما عليه من الحقوق والمكوس [٢] إلى أن يصل إلى ساحل مصر، ويقبض منهم، فإذا وصل تجّار الكارم إلى ثغر الإسكندرية لا يمكنون من البيع على تجار الفرنج إلا بعد بيع ما عنده، وحواصله كثيرة جدا فأضر ذلك بالتجار من الكارمية والفرنج حتى لو استمرت ولايته لأدت إلى انقطاع الواصل عن الديار المصرية، وكانت له عدة معاصر أقصاب، ودواليب [٣] بالوجه القبلى والبحرى، بحيث أنه لا يخلو إقليم من أقاليم الديار المصرية، ولا بلد كبير إلا وله فيه تعلق من دواليب أقصاب وبساتين، أو زراعة أو متجر أو مسلف أو معاملة أو مخرج على صنف من الأصناف التى تكون بذلك البلد.

ولما عزله السلطان أمر بإبطال هذه المتاجر، ومكن الناس من ابتياع الأصناف وبيعها، ورفع عنهم الحجر فى ذلك، فاستبشر الناس بذلك، وانبسطت


[١] المراد أنه صار مطلق التصرف فى أموال الدولة، وهذا المعنى ليس فى استعمالات هذا الفعل، وإن كان من هذه المادة الخولى: القائم بأمر الناس السائس له (المعجم الوسيط) .
[٢] المكوس: جمع المكس وهى الضريبة التى تؤخذ من التجار على ما يدخلونه البلد من تجارة، وهى ما يعرف اليوم باسم الضريبة الجمركية.
[٣] الدولاب: من آلات الاستقاء (مفاتيح العلوم ص ٧١) وانظر المخصص (٩/١٦٢) ويفهم من السياق أنه كان يكريها، ويأخذ أجرا لها.