وعمل نوابه مع بعض من اعتنوا به من التجار عكس هذا، فكان بعض التجار يبيع السلعة الكاسدة على بعض المضرورين من التجار وغيرهم إلى الأجل الطويل، فيرغبون فى ابتياعها لطول المدة، ويرجون بذلك أن يتسببوا فيها لصلاح أحوالهم، ويشترونها بمثلى القيمة، فإذا استقر البيع، وتسلم المشترى السلعة، وأشهد على نفسه بالثمن أحال التاجر البائع إلى ديوان كريم الدين بالثمن، فيطلب المشترى، ويرسم عليه، ويستخرج الثمن بالضرب والاعتقال، ولا يحملون فيه على حكم الشرع، ولا يستنكف نوابه من ذلك ولا يتحاشون، فتضرر الناس من هذا الوجه أيضا، حتى كان منهم من يبيع السلعة بعينها بنصف ما ابتاعها به من الثمن، ويعطيه، ويكلف ما بقى، فيستدينه ويعطيه.
وأما غير ذلك من حال كريم الدين فإنه كان قد تعاظم فى نفسه، فيخلع الخلع السنية أشرف من خلع السلطان، فكان السلطان إذا خلع على أحد ملونا خلع كريم الدين مصمتا، وإن خلع مصمتا خلع هو طردوحش، وإن خلع طردوحش خلع طردوحش مقصّبا، وإن خلع السلطان مقصّبا خلع الأطلس المعدنى بالطرز الزركشى، وأنعم بالحوايص الذهب والكلّوتات الزركشى وغير ذلك، وإذا خلع على من يخلع السلطان عليه الأطلس/ (٤٩) بطرز الزركش خلع عليه المزركش المكلّل باللّؤلؤ والمرصّع بالجوهر، وأنعم عليه بالخيول المسوّمة، وبغالى الأقمشة وغير ذلك، وإذا أنعم السلطان بمال أنعم بأضعافه، فكان ذلك مما حقده السلطان عليه، وذكره من عيوبه، وتعاطيه ما لا يصلح.
وكان مما فعله أنه جعل لنفسه بيوتات نحو بيوت السلطان من شرابخاناه، وطست خاناه، وفراش خاناه وغير ذلك، وفى كل بيت منها من الآلات المناسبة له ما لا يكون مثله إلا عند أكابر الملوك، ثم أخذ لنفسه أخيرا بما يفعله الملوك، فكان يمدّ سماطه وأمامه أستاذ الدار، ومقدم المماليك، والجاشنكير، والمشرف، ويأكل من ذلك الطعام من حضر من الأكابر وغيرهم، وهو بارز عنه لا يأكل منه شيئا، فإذا رفع ذلك السماط استدعى الطارى بعد ذلك فيأكل منه، وكان فى ليالى شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وسبعماية يمد بين يديه