للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفورا، وذهب هذا السيل العظيم الطامى بجميع سوق الخليع لبكتمر الحسامى، وأخرب من قيسارية ملك الأمراء للتجار نحو عشرين حانوتا، وذهب بكل ما فيها من ثمين، ثم ردم باقيها على ما فيه بالأخشاب والأحجار والطين، حتى رجعت قيمة ما سلم من المائة إلى العشرين، وأخرب ما جاوز بحر المدينة من سوق أم معبد واللّحّامين، ومن وقف السقطيين والحضريين وحوانيت العجز وسوق الأمير ركن الدين ثم دمر فى وقف الجامع على ما فيه من الأمتعة والبضائع، ثم ردم العين بالأحجار والخشب والصخور، حتى خشى عليها أهل البلد أن تفور، ثم أخرب حوانيت الطبّاخين وجانبا من حمام الأمير موسى، وكان ذلك على من لم يرض بقضاء الله يوما منحوسا ثم أخرب الدباغة وجانبا من حمام السلطان وما يلى ذلك من المطهرة [١] ومسلخ [٢] المعز والضان، وأعظم من ذلك إخرابه المدرسة النفيسية والرواق القبلى من المسجد الجامع، وفى ذلك ما يحرق قلب كل منيب وخاشع، وردم داخل الجامع بغثاء السيل والطين والأخشاب، فاعتبروا يا أولى الألباب/ وبلغ الماء فى داخل الجامع إلى القناديل المعلقة، وذلك بتقدير من يعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة، ولم يقرب شيئا من غالب ما ذكر إلا أتى على ما فيه من الأمتعة والبضائع والأموال، حتى أتيح لكثير من أرباب ذلك أن يمد يده للسؤال، وكان مدة استدامته من بكرة النهار إلى وقت العصر، وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ

، وكان عرض السيل قدر رمية بحجر، وارتفاعه على بسيط الأرض قدر قامتين أو أكثر، وقدّر ما ذهب فيه من الأمتعة والبضائع والأموال وقيمة الأملاك بهذا القضاء المبرم، فكان ذلك يزيد على خمسمائة ألف درهم، وذلك خارج عن الغلات والمواشى والبساتين والطواحين ظاهر مدينة عجلون. إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

[٣] ومن جملة لطف الله تعالى مجيؤه بالنهار، فحذر الناس منه، فلم يعلم فى البلد غريق إلا


[١] المطهرة: كل أناء يتطهر منه.
[٢] فى نسخة المحضر السابقة ورد: «المسلخ المعروف بابن معبد» وهو تحريف، وما هنا هو الصواب.
[٣] سورة البقرة الآية ١٥٦.