للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى صارت مدينة عجلون كما قال الله تعالى فى كتابه المكنون: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ

[١] فوجلت القلوب لهول ذلك وتصدعت، وكادت الحوامل أن تضع حملها وتذهل كل مرضعة عما أرضعت [٢] ، واندهش أهل البلد عند معاينة هذا الهول الكبير، واختلفت همومهم، فكل إلى ما اشتمل عليه قلبه يشير، فمن باك على ما فى يده من متاع الدنيا الحقير، ومن مشفق خائف على ولده الصغير، ومن غريق عدم نفسه النفيسة، ما له من ملجأ يومئذ وما له من نكير، ومن ناج يقول: أشهد أن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شىء قدير، ومن ضارع إلى من ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، ومن قائل: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

[٣] ولسان الحال يتلو قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ

[٤] ولم تزل الأمطار متواترة، والسيول من كل فج متواترة، حتى تحير من حضر ذلك من الإنس والجان، وشغلوا بما عاينوه عن الأموال والأولاد والإخوان، وظنوا أنهم أحيط بهم، وجاءهم الموج من كل مكان، فتلاقى على البلد واديان: أحدهما من شمالها يسمى الجود والآخر من شرقها يسمى جنان [٥] ، فأخرب وادى الجود بهذه الآية الخارقة جانبا من حارة المشارقة، ودمّر وادى جنان ما كان على جانبه من البنيان، ثم اختلطا فرأى الناس منهما ما لا يطاق، وأخربا ما مرا عليه من رباع وقياسير وأسواق، فأخربا العرصة والمصبغة والفرانين والعلافين، وحوانيت الدق وسوق الأدميين وسوق البر العتيق والأقباعية والقطانين، وحوانيت الصاغة وما يليها من البساتين، وردم أمام دار الطعم [٦]- بعد إخراب بعضها- أحجارا وصخورا، وكل ذلك ليتّعظ أهل المكر وما يزيدهم إلا


[١] سورة القمر (١١ و ١٢) .
[٢] من الآية الكريمة يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
الحج (٢) .
[٣] سورة الممتحنة، الآية ٤.
[٤] سورة الشورى، الآية ٣٠.
[٥] فى مراصد الاطلاع ١/٣٤٩: باب الجنان موضع بالرقة- رقة الشام، وباب من أبواب حلب. ورحبة من رحاب البصرة.
[٦] فى نسخة المحضر السابقة «دار الطعن» .