للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتعلق بى، فوقعت كما قال، ثم ذكر لى بعد ذلك قضية أخرى تتفق بى، فاتفق بعضها كما قال، وتأخر بعضها، فاجتمعت به بعد ذلك فى سنة ست وسبعمائة، وسألته عن حاله وما كنت أعهده فيه من الكشف، فأجاب: قد زال ما كنت تعهده منذ استقليت بهذه النّميلة- يشير إلى ابنته فاطمة- وكان قد رزقها، وكانت من الذكاء على أمر عظيم لم يشاهد مثله من سرعة الحفظ، وجودة الاتقان مع صغر السن. أحضرت إلى مجلس شيخنا شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدّمياطى [١] رحمه الله تعالى/ لتسمع عليه جزءا من مسموعاته، فامتنع أن يكتب اسمها إلا حضورا، وقال: هذه صغيرة السن عن السماع، فلقّنها معلمها سرى الدين أبو القاسم الزيدى الحديث الذى كانت تريد أن تسمعه، فحفظته بسنده، وأحضرها إلى الشيخ فجلست بين يديه، وعمرها يوم ذاك أربع سنين أو نحوها، فقالت مخاطبة الشيخ: حدثك- رضى الله عنك الشيخ فلان- وسردت السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث إلى آخره من حفظها فبهت الشيخ من ذلك، واستعظمه منها، وكساها فوطة حرير، وكتب اسمها سماعا، أخبرنى بذلك معلمها سرى الدين المذكور، وكان صدوقا رحمه الله، ثم اشتغلت بعد ذلك وقرأت الكتاب العزيز بالسبع، وأتقنت قراءته واشتغلت بالفقه والعربية والأصول وغير ذلك من العلوم، وكتبت الخط الجيد المنسوب عدة أقلام، فكانت تكتب الدّروج المشتملة على عدة أقلام كتابة جيدة، وتكتب فى آخرها: «كتبته فاطمة الغمارية» واشتغل والدها بأشغالها اشتغالا كثيرا، فلذلك قال لى ما قال، وأصيب بها، وكان رحمه الله تعالى صعب الخلق شديد الحرج كبير الحدّة ما اجتمع به أحد من الأمراء والأعيان والأكابر وفارقه عن رضى، وكان يسب من يجتمع به ويتركه أقبح سب عن غير تحاش، ولعل ما حصل له من سوء الخلق نتج عن خشونة مأكله، رحمه الله تعالى وسامحه.

وتوفى فى ليلة الأربعاء سابع شهر رجب القاضى كمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن أبى [٢] بكر بن محمد بن محمود الحلبى البسطامى الحنفى


[١] ترجمته فى الدرر الكامنة (١/٤١٧) ومولده سنة ٦١٣ ووفاته سنة ٧٠٥ هـ وله ترجمة فى الشذرات (٦/١٢) .
[٢] ترجمته فى الدرر (٢/٣٢٦) وقد أورد اسمه: عبد الرحمن بن أبى بكر بن أبى بكر بن محمد بن محمود البسطامى ثم الحلبى.