للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تارة لتحريك الجمال وتارة للاستلذاذ، فلا يجوز أن يحرّم من حيث إنه كلام مفهوم مؤدّى بأصوات طيّبة وألحان موزونة.

الدرجة الرابعة: النظر فيه من حيث إنه محرّك للقلب ومهيّج لما هو الغالب عليه، قال أبو حامد: فأقول: لله سبحانه وتعالى سرّ في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى إنها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبا. فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنها ما ينوّم ومنها ما يضحك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس. ولا ينبغى أن يظنّ أن ذلك لفهم معانى الشعر بل هذا جار فى الأوتار حتى قيل: من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج. وكيف يكون ذلك بفهم المعنى، وتأثيره مشاهد في الصبىّ في مهده فإنه يسكته الصوت الطيّب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه الى الإصغاء إليه.

والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثيرا يستخفّ معه الأحمال الثقيلة ويستقصر لقوّة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه؛ فتراها إذا طالت عليها البوادى واعتراها الإعياء والكلال تحت المحامل والأحمال اذا سمعت منادى الحداء تمدّ أعناقها وتصغى إلى الحادى ناصبة آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها، وربما تتلف أنفسها في شدّة السير وثقل الحمل وهى لا تشعر به لنشاطها فقد حكى أبو بكر محمد بن داود الدّينورى المعروف بالرّقى، قال:

كنت في البادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافنى رجل منهم وأدخلنى خباء فرأيت في الخباء عبدا أسود مقيّدا بقيد، ورأيت جمالا قد ماتت بين يدى البيت «١» وقد بقى منها جمل وهو ناحل ذابل كأنه ينزع روحه. فقال لى الغلام: