للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تهييج الشوق. والشوق وإن كان مؤلما ففيه نوع لذّة إذا انضاف اليه رجاء الوصال؛ فإن الرجاء لذيذ واليأس مؤلم، وقوّة لذّة الرجاء بحسب قوّة الشوق والحبّ للشىء المرجوّ، ففى هذا السماع تهييج للعشق وتحريك للشوق وتحصيل للذة الرجاء المقدّر في الوصال مع الإطناب في وصف حسن المحبوب. قال:

وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله كمن يعشق زوجته أو سرّيته فيصغى إلى غنائها لتتضاعف لذّته في لقائها، فيحظى بالمشاهدة البصر وبالسماع الأذن ويفهم لطائف معانى الوصال والفراق القلب، فتترادف أسباب اللذّة.

فهذا نوع تمتّع من جملة مباحات الدنيا ومتاعها، وما متاع الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وهذا منه. وكذلك إن غصبت منه جارية أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب فله أن يحرّك بالسماع شوقه وأن يستثير به لذّة رجاء الوصال. فإن باعها أو طلقها حرم عليه ذلك بعده إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصل واللقاء.

وأما من يتمثّل في نفسه صورة صبىّ أو امرأة لا يجوز له النظر إليها وكان ينزّل ما يسمع على ما يتمثّل في نفسه فهو حرام لأنه محرّك للفكر في الأفعال المحظورة ومهيّج للداعية إلى مالا يباح الوصول إليه لا لأمر يرجع إلى نفس السماع. وقد سئل بعض الحكماء عن العشق فقال: دخان يصعد الى دماغ الإنسان يزيله الجماع ويهيّجه السماع.

السابع: سماع من أحبّ الله سبحانه وتعالى وعشقه واشتاق إلى لقائه فلا ينظر إلى شىء إلّا رآه فيه، ولا يقرع سمعه قارع إلّا سمعه منه أو فيه؛ فالسماع في حقه مهيّج لشوقه، ومؤكّد لعشقه وحبّه، ومور زناد قلبه، ومستخرج منه أحوالا من المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كلّ حسّه عن ذواقها؛ وتسمّى تلك الأحوال بلسان الصوفيّة وجدا- مأخوذ من الوجود- وللصوفية على هذا كلام يطول شرحه ليس هذا موضع إيراده. والله أعلم.