للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا علوا شغبا «١» تبيّنت أنه ... تقطّع من أهل الحجاز علائقى

فلا زلن حسرى ظلّعا لم حملنها ... الى بلد ناء قليل الأصادق

فلم يزل يغنيّه ويستعيده الى نصف الليل. فقالت له زوجته: يا هذا، قد انتصف الليل وما أفطرت. فقال لها: أنت الطلاق إن أفطرنا على غيره. فلم يزل يغنّيه ويستعيده حتى أسحر. فقالت له: هذا السّحر وما أفطرنا. فقال لها: أنت الطلاق إن كان سحورنا غيره. ثم قال لابنه: يا بنىّ، خذ جبّتى هذه وأعطنى خلقك ليكون الحباء فضل ما بينهما. فقال له: يا أبت، أنت شيخ وأنا شابّ وأنا أقوى على البرد منك، فقال له: يا بنىّ، ما ترك هذا الصوت للبرد علىّ سبيلا ما حييت.

ويؤيد هذه الحكاية ما حكاه أبو طالب المكّى في كتابه، قال: كان بعض السامعين يقتات بالسماع ليقوى به على زيادة طيّه، كان يطوى اليوم واليومين والثلاثة، فإذا تاقت نفسه الى القوت عدل بها الى السماع، فأثار تواجده، فاستغنى بذلك عن الطعام.

وروى أبو الفرج بسنده إلى عبد الله بن أبى مليكة عن أبيه عن جدّه قال:

كان بالمدينة رجل ناسك من أهل العلم والعفّة، وكان يغشى عبد الله بن جعفر، فسمع جارية مغنّية لبعض النّخاسين تغنّى:

بانت ساعدو أمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغور فالجدّين فالفرعا

وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا

فهام الناسك وترك ما كان عليه، حتى مشى إليه عطاء وطاوس ولا ماه؛ فكان جوابه لهما أن تمثّل:

يلومنى فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالى أطار اللّوم أم وقعا