فى دعوة عملها لأصحابه؛ حضرها أبو بكر الأبهرىّ شيخ المالكية، وأبو القاسم الدّاركى شيخ الشافعية، وأبو الحسن طاهر بن الحسن شيخ أصحاب الحديث، وأبو الحسن ابن سمعون شيخ الوعّاظ والزهّاد، وأبو عبد الله محمد بن مجاهد شيخ المتكلّمين، وصاحبه أبو بكر الباقلانى في دار شيخنا أبى الحسن التميمىّ شيخ الحنابلة؛ فقال أبو علىّ: لو سقط السقف عليهم لم يبق بالعراق من يفتى في حادثة يشبه واحدا منهم، ومعهم أبو عبد الله غلام تامّ، وكان هذا يقرأ القرآن بصوت حسن، وربما قال شيئا. فقيل له: قل لنا شيئا؛ فقال لهم وهم يسمعون:
خطّت أناملها في بطن قرطاس ... رسالة بعبير لا بأنقاس «١»
أن زر فديتك لى من غير محتشم «٢» ... فإنّ حبّك لى قد شاع في الناس
فكان قولى لمن أدّى رسالتها ... قف لى لأمشى على العينين والراس
قال أبو على: فبعد أن رأيت هذا لا يمكننى أن أفتى في هذه المسألة بحظر ولا إباحة.
وممن أحبّ السماع والغناء وسمعه من الزهاد والعباد والعلماء أبو السائب المخزومىّ. روى أبو الفرج الأصبهانىّ بسنده الى صفيّة بنت الزّبير بن هشام قالت: كان أبو السائب المخزومى رجلا صالحا زاهدا متقلّلا يصوم الدهر، وكان أرقّ خلق الله قلبا وأشدّهم غزلا. فوجّه غلامه «٣» يوما يأتيه بما يفطر عليه، فأبطأ الغلام الى العتمة. فلما جاء قال له: يا عدوّ نفسه، ما أخّرك إلى هذا الوقت؟
قال: اجتزت بباب فلان فسمعت منه غناء فوقفت حتى أخذته. فقال: هاته يا بنىّ، فو الله لئن كنت أحسنت لأحبونّك، وإن كنت أسأت لأضربنّك، فاندفع يغنّى بشعر كثير: