للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو الفرج أيضا بسنده إلى محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد قال:

شهدت أبى جعفرا وأنا صغير وهو يحدّث جدّى يحيى بن خالد في بعض ما كان يخبره به من خلوته مع هارون الرشيد، قال: يا أبت، أخذ بيدى أمير المؤمنين وأقبل فى حجره يخترقها حتى انتهى إلى حجرة مغلقة، ففتحها بيده ودخلها ودخلت وأغلق بابها من داخل بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه، وفي صدره مجلس مغلق فقعد على باب المجلس، ونقر الباب بيده نقرات فسمعنا حسّا، ثم أعاد النّقر ثانية فسمعنا صوت عود، ثم أعاد النقر ثالثة فغنّت جارية ما ظننت والله أنّ الله جلّ وعزّ خلق مثلها فى حسن الغناء وجودة الضرب. فقال [لها «١» ] أمير المؤمنين بعد أن غنّت أصواتا:

غنّى صوتى؛ فغنت صوته، وهو:

ومخنّث شهد الزّفاف وقبله ... غنّى الجوارى حاسرا ومنقّبا

لبس الدلال وقام ينقر دفّه ... نقرا أقرّ به العيون وأطربا

إنّ النساء رأينه فعشقنه ... فيشكون شدّة ما بهنّ فأكذبا

قال: فطربت والله طربا هممت معه أن أنطح برأسى الحائط. ثم قال: غنّى:

طال تكذيبى وتصديقى فغنّت:

طال تكذيبى وتصديقى ... لم أجد عهدا لمخلوق

إنّ ناسا في الهوى غدروا ... حسّنوا نقض المواثيق

لا ترانى بعدهم أبدا ... أشتكى عشقا لمعشوق

قال: فرقص الرشيد ورقصت معه؛ ثم قال: امض بنا، فإنى أخشى أن يبدو منّا ما هو أكثر من هذا، فمضينا. فلمّا صرنا إلى الدّهليز قال وهو قابض على يدى: