قال أبو الفرج: وكان أبو عيسى جيّد الصّنعة، وله أغان منسوبة إليه ومعروفة به. منها:
رقدت عنك سلوتى ... والهوى ليس يرقد
وأطار السهاد نو ... مى فنومى مشرّد
أنت بالحسن منك يا ... حسن الوجه يشهد
وفؤادى بحسن وجهك ... يشقى ويكمد
وله غير هذا من الأصوات. قال: وكان كثير البسط والمجون والعبث.
وكان المأمون أشدّ الناس حبّا له، وكان يعدّه للأمر بعده ويذكر ذلك كثيرا.
حتى لقد حكى عنه أنه قال يوما: إنه ليسهل علىّ أمر الموت وفقد الملك، ولا يسهل شىء منهما على أحد؛ وذلك لمحبّتى أن يلى أبو عيسى الأمر بعدى لشدّة حبّى إياه.
وكانت وفاة أبى عيسى في سنة سبع ومائتين.
روى عن عبد الله بن طاهر قال: حدّثنى من شهد المأمون ليلة وهم يتراءون هلال شهر رمضان وأبو عيسى أخوه معه وهو مستلق على قفاه، فرأوه وجعلوا يدعون. فقال أبو عيسى قولا أنكر عليه؛ كأنه يسخط لورود الشهر، فما صام بعده. ونقل عنه أنه قال:
دهانى «١» شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعدينى الإمام بقدرة ... على الشهر لاستعديت «٢» جهدى على الشهر
فناله بعقب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرّات حتى مات. ولمّا مات وجد المأمون عليه وجدا شديدا.