لمّا مات أبو عيسى بن الرشيد دخلت على المأمون فخلعت عمامتى ونبنتها ورائى- والخلفاء لا تعزّى في العمائم- فقال لى: يا محمد، حال القدر، دون الوطر.
فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ مصيبة أخطأتك شوى «١» ، فجعل الله الحزن لك لا عليك!.
قال: فركب المأمون إلى دار أبى عيسى فحضر جهازه وصلّى عليه ونزل في قبره.
وامتنع من الطعام أياما حتى خيف أن يضرّ ذلك به. قال: وما رأيت مصابا حزينا قطّ أجمل أثرا في مصيبته ولا أحرق وجدا منه، صامت ودموعه تهمى على خدّيه من غير كلح «٢» ولا استنثار.
وروى عن أحمد بن أبى داود قال: دخلت على المأمون وقد توفّى أخوه أبو عيسى وهو يبكى ويمسح عينيه بمنديل، فقعدت الى جنب عمرو بن مسعدة وتمثّلت قول الشاعر:
نقص من الدّنيا وأسبابها ... نقص المنايا من بنى هاشم
فلم يزل على تلك الحال يبكى ثم يمسح عينيه، وتمثّل:
سأبكيك ما فاضت دموعى فإن تغض ... فحسبك منّى ما تجنّ الجوانح «٣»
كأن لم يمت حىّ سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
ثم التفت إلىّ وقال: هيه يا أحمد! فتمثّلت بقول عبدة بن الطبيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما